في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا، فيزورونَ ربهم، ويبرز لهم عرشه، ويتبدَّى لهم في روضة من رياض الجنَّة، فيوضع لهم منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من ياقوت، ومنابر من زبرجَد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، ويجلس أدناهم – وما فيهم دنيٌّ - على كثبان المسك والكافور، ما يرون أن أصحاب الكراسي بأفضلَ منهم مجلسًا)). قال أبو هريرةَ: قلت: يا رسول الله! وهل نرى ربَّنا؟ قال:((نعم! هل تتمارون في رؤية الشمسِ والقمرِ ليلةَ البدر؟)) قلنا: لا. قال:((كذلك لاتتمارون في رؤية ربكم، ولا يبقى في ذلك المجلس رجل إلا حاضَرهُ الله محاضرة حتى يقول للرجل منهم: يا فلان بن فلان! أتذكر يوم قلت كذا وكذا؟ فيذكِّره ببعض غَدراته في الدنيا. فيقول: ياربِّ! أفلم تغفر لي؟ فيقول: بلى، فبسعة مغفرتي بلغتَ منزلتك هذه. فبيناهم على ذلك غشيتهم سحابةٌ من فوقهم، فأمطرت عليهم طيبًا لم يجدوا مثل ريحه شيئًا قط، ويقول ربُّنا: قوموا إِلى ما أعددتُ لكم من الكرامة فخذوا ما اشتهيتم، فنأتي سوقًا قد حَفَّتْ به الملائكة، فيها ما لم تنظر العيونُ إلى مثلهِ، ولم
ــ
وقوله: ((وما فيهم دنى)) تتميم صونًا لما يتوهم من قوله: ((ويجلس أدناهم)) من الدناءة، والمراد به الأدنى في المرتبة.
وقوله:((ما يرون)) من الإراءة على بناء المفعول، أو بمعنى يظنون أي لا يظنون ولا يتوهمون.
((أن أصحاب الكراسي)) أي المنابر أفضل منهم حتى يحزنوا بذلك، وإليه الإشارة في الحديث بقوله:((وذلك أنه لاينبغي لأحد أن يحزن فيها)).
قوله:((إلا حاضره الله محاضرة)) تو: الكلمتان بالحاء المهملة والضاد المعجمة، والمراد من ذلك كشف الحجاب والمقاولة مع العبد من غير حجاب ولا ترجمان، وبينه الحديث:((ما فيكم من أحد إلا ويكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان)) الحديث.
قوله:((فبسعة مغفرتي)) عطف على مقدر، أي بلى غفرت لك فبلغت بسعة رحمتي هذه المنزلة الرفيعة، والتقديم دل على التخصيص، أي بلوغك تلك المنزلة كائن بسعة رحمتي لا بعملك.
قوله:((ما لم تنظر العيون)) مظ: ما موصولة، والموصول مع صلته يحتمل أن يكون منصوبًا بدلا من الضمير المنصوب المقدر العائد إلى ما في قوله:((ما أعددت))، ويحتمل أن يكون في محل الرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف، أي المعد لكم ما لم تنظر العيون إلى مثله.
أقول: والوجه أن تكون ((ما)) موصوفة بدلا من سوقًا، أو إبهامية تزيد الشيوع في سوقًا