٥٧١٦ - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليلة أسري بي، لقيتُ موسى - فنعته -: فإذا رجلٌ مضطربٌ، رجلُ الشعر، كأنه من رجال شنوءة، ولقيت عيسى ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس - يعني الحمام - ورأيت إبراهيم وأنا أشبه
ــ
تعالى:{لقد رأي من آيات ربه الكبرى} فعلى هذا في الكلام التفات حيث وضع إياه في موضع إياي، أو الراوى نقل معنى ما تلفظ به، والظاهر أن قوله:{فلا تكن في مرية من لقائه} يتعلق بأول الكلام وهو حديث موسى عليه الصلاة والسلام تلميحًا إلى ما في التنزيل من قوله تعالى: {ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه}.
الكشاف: قيل: من لقائك موسى عليه الصلاة والسلام ليلة الإسراء، فيكون ذكر عيسى عليه الصلاة والسلام وما يتبعه من الآيات مستطردًا لذكر موسى، وإنما قطعة عن متعلقه وأخره ليشمل معناه الآيات على سبيل التبعية والإدماج، أي لا تكن يا محمد في رؤية ما رأيته من الآيات في شك، فعلى هذا الخطاب في قوله تعالى:{فلا تكن} رسول الله صلى الله عليه وسلم والكلام كله متصل ليس فيه تغيير من الراوى إلا لفظة إياه. ويشهد له قول الشيخ محيى الدين في شرح هذا الحديث: كان قتادة يفسرها أن النبي صلى الله عليه وسلم قد لقى موسى عليه الصلاة والسلام، ودافعه عليه جماعة، منهم: مجاهد والكلبى والسدى، ومعناه فلا تكن في شك من لقائك موسى، والشارحون ذهبوا إلى أن قوله: في آيات أراهن الله ... إلى آخره من كلام الراوى ألحقه بالحديث دفعًا لاستبعاد السامعين، وإماطة لما عسى أن يختلج في صدورهم.
وقال المظهر: الخطاب في {فلا تكن} خطاب عام لمن سمع هذا الحديث إلى يوم القيامة، والضمير في ((لقائه)) عائد إلى الدجال، أي إذا كان خروجه موعدًا فلا تكن في شك من لقائه.
وقال غيره: الضمير راجع إلى ما ذكر، أي فلا تكن في شك من رؤية ما ذكر من الآيات إلى يوم القيامة.
وفي الوجوه بحث على ما لا يخفي والله أعلم.
الحديث الثامن عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((فنعته)) هو من كلام الراوي أدرجه بين كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله:((مضطرب)) قض: يريد أنه كان مستقيم القد حادًّا، فإن الحاد يكون قلقًا متحركًا كأن فيه اضطرابًا، ولذلك يقال: رمح مضطرب إذا كان طويلا مستقيمًا.
وقيل: إنه كان مضطربًا من خشية الله تعالى، وهذه صفة النبيين والصديقين، كما روى أنه صلى الله عليه وسلم: كان يصلي ولقلبه أزيز كأريز المرجل.