وهو أشده علىَّ، فيفصم عني وقد وعيتُ عنه ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملكُ رجلا فيكلمني، فأعي ما يقولُ)). قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقًا. متفق عليه.
ــ
الملكية فيوحى إليه كما يوحى إلى الملائكة على ما ذكر في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو حديث حسن صحيح.
والأخرى: يرد فيها الملك إلى شكل البشر وشاكلته وكانت هذه أيسر والله أعلم.
أقول: لا يبعد أن يكون هناك صوت على الحقيقة متضمن للمعاني مدهش للنفس لعدم مناسبتها إياه ولكن القلب للمناسبة يشرب معناه، فإذا سكن الصوت آفاق النفس فحينئذ تتلقى النفس من القلب ما ألقى إليه فيعي، على أن العلم بكيفية ذلك من الأسرار التي لا يدركها العقل.
((مح)): قال القاضي عياض: إن ما جاء من مثل ذلك يجري على ظاهره، وكيفية ذلك وصورته مما لا يعلمه إلا الله تعالى، ومن أطلعه على شيء من ذلك من ملائكته ورسله، وما يتأول هذا ويحيله عن ظاهره إلا ضعيف النظر والإيمان إذ جاءت به الشريعة ودلائل العقول لا تحيله.
[مظ]: يريد - والله أعلم - أنه صوت متدارك يسمعه ولا يثبته عند أول ما يقرع بسمعه حتى يتفهم ويتثبت فيتلقنه حينئذ ويعيه، ولذلك قال:((هو أشده عليّ)).
قوله:((ليتفصد عرقًا)) ((تو)): أي يسيل، يقال: انفصد الشيء وتفصد إذا سال، كأنه شبه بالعِرق المفصود إذا سال عنه الدم.
الحديث الثامن عن عبادة رضي الله عنه:
قوله:((كُرِبَ لذلك)) ((تو)): يحتمل أنه كان يهتم لأمر الوحي أشد الاهتمام، ويهاب مما يطالب به من حقوق العبودية والقيام بشكر النعم، ويخشى على عصاة الأمة أن ينالهم من الله خزي ونكال فيأخذه الغم الذي يأخذ بالنفس حتى يعلم ما يقضي إليه.
ويحتمل أن المراد منه كرب الوحي وشدته، فإن الأصل في الكرب الشدة، وإنما قال الصحابي: كرب، لما وجد من شبه حاله بحال المكروب.