فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته، فلم ير شيئاً يستتر به، وإذا شجرتين بشاطئ الوادي، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال: ((انقادي علي بإذن الله)) فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده، حتى أنه الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها، فقال:((انقادي علي بإذن الله)). فانقادت معه كذلك، حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما قال:((التئما علي بإذن الله))، فالتأمتا فجلست أحدث نفسي، فحانت مني لفتة، فإذا برسول الله مقبلا، وإذا الشجرتين قد افترقتا، فقامت كل واحدة منهما على ساق، رواه مسلم.
٥٨٨٦ - وعن يزيد بن أبي عبيد، قال: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة بن الأكوع فقلت: يا أبا مسلم، ما هذه الضربة؟ قال: ضربة أصابتني يوم خيبر فقال
ــ
و ((المخشوش)) هو الذي في أنفه الخشاش بالكسر، وهو عويد يجعل في أنفس البعير ليكون أسرع إلى الانقياد.
و ((المنصف)) الموضع الوسط بين الموضعين.
قوله:((وإذا شجرتين)) بالنصب، كذا في صحيح مسلم وأكثر نسخ المصابيح، وفي بعضها ((شجرتان)) بالرفع وهو مغير، فتقدير النصب: فوجدت شجرتين نابتتين بشاطئ الوادي، وهو كمسألة:((كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو إياها)).
قال شارح اللباب: إنما جوز الإتيان بالضمير المنصوب وهو ((إياها)) لأن المفاجأة تدل على الوجدان، ولفظ ((هو)) فصل وعماد، و ((إياها)) مفعول وجدت مضمراً، والمفعول الأول محذوف ناب ضمير الفصل والعماد عنه أي:((وجدته إياها)) و ((إذا)) بمعنى وجدت.
قوله:((يصانع قائده)) تو: أي ينقاد له ويوافقه، والأصل في المصانعة الرشوة وهي أن تصنع لصاحبك شيئاً حتى يصنع لك شيئاً.
قوله:((انقادي علي)) أي لا تعصي علي، ونظيره قوله تعالى:{ما لك لا تأمنا على يوسف} أي: لم تخافنا عليه، ونحن نريد له الخير ونحبه ونشفق عليه.
قوله:((التئما علي بإذن الله)) على حال، أي اجتمعا مظلتين علي.
قوله:((فحانت مني التفاتة)) أي ظهرت مني التفاتة ونظرة، من حان إذا أتى وقت الشيء.