٥٩٦٧ - وعن أنس، قال: قال أبو بكر لعمر [رضي الله عنهما] بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما انتهيا إليها بكت. فقالا لها: ما يبكيك؟ أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: إني لا أبكي أني لا أعلم أن ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن أبكى أن الوحي قد انقطع من السماء فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها. رواه مسلم.
ــ
فالجواب: أن الأوامر تقارنها قرائن تنقلها من الندب إلى الوجوب عند من قال: أصلها الندب، ومن الوجوب إلى الندب عند من قال: أصلها الوجوب، فلعله ظهر منه صلى الله عليه وسلم من القرائن ما دل على أنه لم يوجب ذلك عليهم بل جعله إلى اختيارهم فاختلف اختيارهم بحسب اجتهادهم، وأدى اجتهاد عمر رضي الله عنه إلى الامتناع، ولعله اعتقد أن ذلك صدر منه صلى الله عليه وسلم من غير قصد جازم، وكان هذا قرينة في إرادة عدم الوجوب.
- هذا آخر ما في شرح مسلم-
قوله:((أهجر؟)) ((نه)): أهجر أي اختلف كلامه بسبب المرض على سبيل الاستفهام، أي: هل تغير كلامه واختلط لأجل ما به من المرض؟ ولا يجعل إخباراً فيكون من الفحش والهذيان، والقائل عمر ولا يظن به ذلك.
((مح)): قال القاضي عياض: أهجر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هكذا في صحيح مسلم وغيره ((أهجر)) على الاستفهام، وهو أصح من رواية من روى ((هجر)) بغير همز لأنه لا يصح منه صلى الله عليه وسلم، لأن معنى ((هجر)) هذى، وإنما جاز ذلك من قائله استفهاماً للإنكار على من قال:((لا تكتبوا)) أي لا تتركوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجعلوه كأمر من هجر في كلامه لأنه صلى الله عليه وسلم لا يهجر، وإن صحت الرواية الأخرى كانت خطأ من قائلها لأنه قالها من غير تثبت لما أصابه من الحيرة والدهشة لعظم ما شاهده من النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الحالة الدالة على وفاته وخوف الفتن والضلال بعده، وقول عمر رضي الله عنه:((حسبكم كتاب الله)) رد على نازعه لا على أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله:((دعوني ذروني)) معناه دعوني من النزاع واللغط الذي شرعتم فيه، فالذي أنا فيه من مراقبة الله تعالى والتأهب للقائه والفكر في ذلك ونحوه أفضل مما أنتم فيه.
قوله:((أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)) مر بيانه في باب: إخراج اليهود من جزيرة العرب.