للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي رواية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن خير التابعين رجل يقال له: أويس، وله والدة، وإن به بياض، فمروه فليستغفر لكم)). رواه مسلم.

٦٢٦٧ - وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((أتاكم أهل اليمن، هم أرق

ــ

وقال الإمام أحمد بن حنبل وغيره: أفضل التابعين سعيد بن المسيب.

والجواب: أن مرادهم سعيد أفضل في العلوم الشرعية كالتفسير والحديث والفقه ونحوها، لا في كونه أكثر ثواباً عند الله تعالى.

وفيه معجزة ظاهرة.

الحديث الثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه:

قوله: ((أرق أفئدة)) ((مظ)): وصف الأفئدة بالرقة، والقلوب باللين، وذلك أنه يقال: إن الفؤاد غشاء القلب، وإذا رق نفذ القول وخلص إلى ما وراء، وإذا غلظ تعذر الوصول إلى داخله، فإذا صادف القلب ليناً علق به ونجع فيه.

((قض)): الرقة ضد الغلظة والصفاقة، واللين مقابل للقساوة، فاستعيرت في أحوال القلب، فإذا نبا عن الحق وأعرض عن قبوله ولم يتأثر عن الآيات والنذر يوصف بالغلظة، فكان شغافه صفيقاً لا ينفذ فيه الحق، وجرمه صلب لا يؤثر فيه الوعظ، وإذا كان بعكس ذلك يوصف بالرقة واللين، فكان حجابه رقيقاً لا يأبى نفوذ الحق، وجوهره لين يتأثر بالنصح.

ويحتمل أن يكون المراد بالرقة جودة الفهم، وباللين قبول الحق، فإن رقة الفؤاد تعد لقبول الأشكال بسهولة، واللين يقتضي عدم الممانعة والانفعال عن المؤثر بيسر، ولعله لذلك أضاف الرقة إلى الفؤاد، واللين إلى القلب، فإنه وإن كان الفؤاد والقلب واحداً، لكن الفؤاد فيه معنى النفاذ وهو التوقد، يقال: فاءدت اللحم أي شويته، والقلب فيه معنى التقلب، يتقلب حاله حالا بسبب ما يعتريه.

ثم لما وصفهم بذلك أتبعه ما هو كالنتيجة، فإن صفاء القلب ورقته ولين جوهره يؤدي إلى عرفان الحق والتصديق به، وهو الإيمان والانقياد لما يوجبه ويقتضيه، والتيقظ والإيقان فيما يذره ويأتيه، وهو الحكمة، فتكون قلوبهم معادن الإيمان وينابيع الحكمة، وهي قلوب منشؤها اليمن، نسب إليه الإيمان والحكمة معاً لانتسابهما إليه تنويهاً بذكرهما، وتعظيماً لشأنهما.

أقول: يمكن أن يراد بالقلب والفؤاد ما عليه أهل اللغة في كونهما مترادفين فكرر ليناط به معنى غير المعنى السابق، فإن الرقة مقابلة للغلظة، واللين مقابل للشدة والقسوة، فوصفت أولاً بالرقة، ليشير إلى التخلق مع الناس وحسن المعاشرة مع الأهل والأخوان، قال الله

<<  <  ج: ص:  >  >>