للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٦٥٥ - وعن أبي هريرة [رضي الله عنه]، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا نودي للصلاة، أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين،. فإذا قضي النداء أقبل، حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويب، أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل لا يدري: كم صلي؟)). متفق عليه.

ــ

معناه الدنو من الله. وقيل: أراد أنهم لا يلجمهم العرق، فإن الناس يوم القيامة يكونون في العرق بقد أعمالهم. وقيل: معناه أنهم يكونون رؤساء يومئذ، والعرب تصف السادة بطول العنق. وقيل: الأعناق الجماعة، يقال: جاء عنق من الناس، أي جماعة، ومعنى الحديث أن جمع المؤذنين يكون أكثر فإن من أجاب دعوتهم يكون معهم. وروى بعضهم: ((إعناقاً)) بكسر الهمزة، أي إسراعاً إلي الجنة.

أقول: قوله: ((أكثرهم أعمالاً)) نحو قوله: صلى الله عليه وسلم: ((أسرعكن لحوقاً بي أطولكن يدا)) أي أكثركن عطاء، سمي العمل بالعنق باعتبار ثقله، قال الله (تعالي) {فمن ثقلت موازينه} فلما سمي العمل بالعنق جيء بقوله: ((أطول الناس)) كالترشيح لهذا المجاز، وكذلك اليد لما سمي بها العطاء أتبعها بالطول مراعاة للمناسبة. وقوله: ((أكثرهم رجاء)) كناية رمزية، ولذلك علل بقوله: ((لأن من يرجى شيئاً طال إليه عنقه)). وقوله: ((الدنو من الله)) هذا كناية تلويحية؛ لأن طول العنق يدل علي طول القامة، ولا ارتياب أن طول القامة ليس مطلوباً بالذات، بل لامتيازهم عن سائر الناس وارتفاع شأنهم، كما وصفوا بالغر المحجلين للامتياز والاشتهار، وكذا قوله: ((إنهم لا يلجمهم العرق)) من هذه الكناية؛ لأن الوصف بطول القامة إما يكون للامتياز، وهو لرفعة الشأن كما سبق، أو للنجاة من المكروه. وقوله: ((يكونون رؤساء))، فيه استعارة ((الكشاف)): شبهوا بالأعناق، كما قيل: هم الرؤوس والنواصي والصدور. وقوله: ((وقيل: الأعناق الجماعة)) فعلي هذا الطول مجاز عن الكثرة؛ لأن الجماعة إذا توجهوا مقصداً لهم امتداد في الأرض. وقوله: ((إعناقاً)) أي إسراعاً، فعلي هذا الطول يحتمل الحقيقة، ويجوز أن يقال: إن طول العنق عبارة عن عدم التشوير والخجل، فإن الخجل متنكس الرأس متقلص العنق. قال الله تعالي: {لو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم}.

الحديث الثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((ضراط)) شبه شغل الشيطان نفسه وإغفاله عن سماع الأذان بالصوت الذي يملأ السمع ويمنعه عن سماع غيره، ثم سماه ضراطاً تقبيحاً له. وقوله: ((حتى لا يسمع)) كرر (حتى)) خمس مرات، أولاهن والرابعة والخامسة بمعنى ((لكي))، والثانية والثالثة دخلتا علي الجملتين الشرطيتين، وليستا للتعليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>