للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٨٧١ - وعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: ((سبحنك اللهم ربنا وبحمد، اللهم اغفر لي))، يتأول القرآن. متفق عليه.

ــ

وهذا الحديث من القبيل الأول؛ بدليل قوله: ((قام))، وفيه بحث؛ لما ورد في التنزيل: {مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول} أي إلي الغاية التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم: متى نصر الله. وفائدة وضع المضارع موضع الماضي في مثل هذا المقام استحضار تلك الحالة في ذهن السامع [ليتعجب لها].

قوله: ((قد أوهم)) ((فا)): أوهمت الشيء إذا تركته، وأوهمت في الكلام والكتاب إذا أسقطت منه شيئاً. أقول: في الحديث دليل علي وجوب الطمإنينة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)).

الحديث الرابع: قوله: ((يتأول القرآن)) ((قض)): ((يتأول القرآن)) جملة وقعت حالا عن الضمير في ((يقول))، أي يقوله متأولا للقرآن، أي مبيناً ما هو المراد من قوله تعالي: {فسبح بحمد ربك واستغفره} آتيا بقتضاه، يقال: أول الكلام وتأول الكلام إذا فسر وبين المراد منه، مأخوذ من (آل) إذا رجع، كأن المفسر يصرف الكلام عن سائر الوجوه المحملة إلي المحمل الذي أوله عليه.

أقول: الأظهر أن هذا التأويل بمعنى العاقبة ومآل الأمر، كما في قوله تعالي: {هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله} أي عاقبة أمره، وما يؤول إليه من تبين صدقه، وظهور ما صدق به من الوعد والوعيد، فتنزيل الحديث علي الآية أن يقالأ: إنه صلى الله عليه وسلم لما أمر بقوله سبحانه وتعالي: {فسبح بحمد ربك واستغفره} صدقه بفعله. وأظهر ما يقتضي مآل أمر الله سبحانه وتعالي من الامتثال، وحصول المأمور به، كما قال: {والذي جاء بالصدق وصدق به} أي الذي جاء بالقرآن، ويجري العمل به.

وقد وافق هذا القول ما ذهب إليه الشيخ محيي الدين حيث قال: معنى ((يتأول القرآن)) يعمل ما أمر به في قوله سبحانه وتعاال: {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا)) وكان صلى الله عليه وسلم يقول هذا الكلام البديع في الجزالة ليستوفي ما أمر به في الآية، وكان يأتي به في الركوع والسجود؛ لأن حالة الصلاة أفضل من غيرها، فكان يختارها لأداء هذا الواجب الذي أمر به؛ ليكون أكمل [أي]. ((وبحمدك سبحتك ومعناه بتوفيقك لي وهدايتك وفضلك علي سبحتك، لا بحولي وقوتي. ففيه شكر لله تعالي علي هذه النعمة والاعتراف بها، والتفويض إلي الله تعالي،

<<  <  ج: ص:  >  >>