للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ــ

لأنه أشمل منه لاختصاص الدر أي الصب بالمائع، وعموم الذر؛ لأن المقام أدعى له. ألا ترى إلي من أراد الإحسان إلي عبد الله الخدمة، ورضي عنه ينثر علي رأسه نثاراً من الجواهر الشريفة. وكأن اختصاص الرأس بالذكر إشارة إلي هذا السر. ((تو)): ((ليذر)) أي ينثر ويفرق من قولهم: ذررت الحب، والملح، والدواء أذرة ذرا، أي فرقته. وصحف، وقيل: ((ليدر)) بالدال المهملة، وهو مشاكل للصواب من طريق المعنى إلا أن الرواية لم تساعده. والحديث يؤخذ من أفواه الرجال، وليس لأحد أن يخالفهم.

قوله: ((بمثل ما خرج منه)) قال ابن فورك: الخروج علي وجهين: أحدهما خروج الجسم، وذلك بمفارقة مكانه واستبداله مكاناً آخر، وذلك محال علي الله تعالي. والثاني ظهور الشيء من الشيء كقوله: خرج لنا من كلامك نفع وخير، أراد ظهر لنا من كلامك خير. وهذا هو المراد. فالمعنى: ما أنزل الله تعالي علي نبيه صلى الله عليه وسلم، وأفهم عباده. ثم قال ابن فورك: وقد قال قائلون: إن الهاء في قوله ((خرج منه)) عائد إلي العبد وخروجه منه وجوده علي لسانه، محفوظاً في صدره، مكتوباً بيده. ((شف)): أي ظهر الحق من شرائعه بكلامه، أو خرج من كتابه المبين- وهو اللوح المحفوظ- وذكر عكرمة أنه شهد جنازة رجل مع ابن عباس رضي الله عنهما، فقال رجل: اللهم يا رب القرآن اغفر له، فقال له ابن عباس: مه، أما علمت أن القرآن منه؟ قال: فغطى الرجل رأسه، كأنه أتى كبيرة. ومعنى ((منه)) أن القرآن صفة الله تعالي القائمة بذاته، فلا يجوز أن يوصف بما يصير مربوباً محدثاً. فإن قيل: فما معنى قول السلف ((إن كلام الله منه خرج، وإليه يعود) قلت: معناه: أنه تعالي به أمر، ونهي، وإليه يعود، يعني هو الذي يسألك عما أمرك، ونهاك. أقول: معنى قولهم: ((منه أبداً)) أنه أنزل علي الخلق ليكون حجة لهم وعليهم قال تعالي: {تبارك الذي نزل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيراً} وقولهم ((وإليه يعود)) أن مآل أمره وعاقبته من تبين حقيقته، وظهور صدق ما نطق به، من الوعد والوعيد إلي الله تعالي. قال سبحانه: {يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق}. وإذا تقرر هذا، فليس شيء من العبادات يتقرب العبد إلي الله، ويجعله وسيلة له أفضل من القرآن.

قوله: ((يعني القرآن)) ((تو)): أطلق المؤلف هذا التفسير، ولم يقيده بما يفهم أن المفسر من هو. والحديث نقله المؤلف من كتاب الترمذي. وفي روايته: قال أبو النصر: ((يعني القرآن)) ومثل هذا لا يتسامح فيه أهل الحديث، والحق معهم؛ فإن مثل ذلك يوهم أن التفسير من فعل الصحابي، فيجعل من متن الحديث، وفي ذلك خلل بين.

<<  <  ج: ص:  >  >>