١٤٠٧ - وعن جابر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش، يقول:((صبحكم ومساكم))، ويقول:((بعثت أنا والساعة كهاتين)) ويقرن بين أصبعيه: السبابة والوسطى. رواه مسلم.
ــ
ولو قيل: إنها اشتقت من لفظها بعد ما جعلت اسماً، لكان قولا. ومن أغرب ما قيل فيها: إن الهمزة بدل من ظاء المظنة، والميم في ذلك كله زائدة. قال أبو عبيد: معناه أن هذا مما يستدل به علي فقه الرجل. قال الأزهري: قد جعل أبو عبيد الميم فيه أصلية، وهي ميم مفعلة. قيل: إنما جعل صلى الله عليه وسلم ذلك علامة من فقهه؛ لأن الصلاة هي الأصل، والخطبة هي الفرع عليها، ومن القضايا الفقهية أن يؤثر الأصل علي الفرع بالزيادة والفضل.
قوله:((وإن من البيان سحراً)) الجملة حال من ((اقصروا)) أي اقصروا الخطبة، وأنتم تأتون بها معإني جمة في ألفاظ يسيرة، وهو من أعلي طبقات البيان، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:((أوتيت جوامع الكلم)).
((مح)): قال القاضي عياض: فيه تأويلان: أحدهما أنه ذم لإمالة القلوب، وصرفها بمقاطع الكلام، حتى يكسب من الإثم به ما يكسب بالسحر. وأدخله مالك في الموطأ في باب ما يكره من الكلام، وهو مذهبه في تأويل الحديث. والثاني: أنه مدح؛ لأن الله تعالي امتن علي عباده بتعليمهم البيان، وشبهه بالسحر لميل القلوب إليه، وأصل السحر الصرف، والبيان يصرف القلوب ويميلها إلي ما يدعو إليه. قال الشيخ محيي الدين: وهذا التأويل الثاني هو الصحيح المختار.
الحديث السابع عن جابر: قوله: ((كأنه منذر جيش)) مثل حال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته وإنذاره القوم بمجيء القيامة، وقرب وقوعها، وتهالك الناس فيما [يرد بهم] –بحال من ينذر قومه عند غفلتهم بجيش قريب منهم، يقصد الإحاطة بهم بغتة من كل جانب بحيث لا يفوت منهم أحد، فكما أن المنذر يرفع صوته، وتحمر عيناه، ويشتد غضبه علي تغافلهم، كذلك حال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الإنذار، وإلي قرب مجيئها أشار بإصبعيه. ونظيره ما روي أنه لما نزل {وأنذر عشيرتك الأقربين} صعد الصفا فجعل ينادي: ((يا بني فهر، يا بني عدي)) إلي آخر الحديث.
قوله:((صبحكم ومساكم)) أي صبحكم العدو، وكذلك مساكم، والمراد الإنذار بإغارة الجيش في الصباح والمساء، و ((يقول)) يجوز أن يكون صفة لـ ((منذر جيش))، وأن يكون حالا من اسم