للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

((ولا صاحبُ بقرٍ ولا غنمٍ لا يُؤّدِّي منها حقّها، إِلا إِذا كانَ يومُ القيامة بُطحَ لها بقاعٍ قرْقرٍ، لا يفقِدُ منها شيئاً، ليسَ فيها عَقصاءُ ولا جَلحاءُ ولا عَضباءُ تنطحهُ بقُرونِها، وتطؤهُ بأظلافِها، كلما مرَّ عليه أولاهَا رُدَّ عليهِ أخْراها في يومٍ كانَ مقدارهُ خمسين ألف سنةٍ، حتى يُقضى بينَ العبادِ؛ فيرى سبيلَه: إِما إِلي الجنةِ وإِما إِلي النار)). قيل: يا رسولَ اللهِ! فالخيلُ؟ قال: ((فالخَيلُ ثلاثةٌ: هي لرجلٍ وِزْرٌ، وهيَ لرجلٍ سترٌ، وهي لرجلٍ أجرٌ؛ فأما التي هي له وزرٌ: فرجلٌ ربطهَا رياءً وفخراً ونواءً علي أهلِ الإِسلامِ، فهي لهُ وِزرٌ؛ وأمّا التي هي له سترٌ: فرجلٌ ربطهَا في سبيل اللهِ، ثمَّ لم يَنسَ حقَّ اللهِ في

ــ

أقول: توجيه ما هو مثبت في الكتاب أن يقال: إن ((أولاها)) إذا مرت عليه علي التتابع، فإذا انتهي أخراها إلي الغاية، فردت من هذه الغاية، ويتبعها ما يليها إلي أولاها - حصل الغرض من التتابع والاستمرار.

قوله: ((عقصاء)) ((نه)): العقصاء الملتوية القرنين. والجلحاء: التي لا قرن لها. العضباء: المنكسرة القرن، وهي عبارة عن سلامة قرونها، واستوائها ليكون أجرح للمنطوح.

قوله: ((فالخيل ثلاثة)) فإن قلت: الجوابان السابقان مطابقان للسؤالين، لأن الأسئلة عن حقوق الله تعالي في الأجناس ووجوب الزكاة فيها، فأين المطابقة في السؤال الثالث؟ قلت: هو وارد علي الأسلوب الحكيم، وفي التوجيه وجهان: أحدهما علي مذهب الشافعي رضي الله عنه: أي دع السؤال عن الوجوب، إذ ليس فيه حق واجب، ولكن سل عن اقتنائها عما يرجع إلي صاحبها من المضرة والمنفعة. وثإنيهما علي مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه: أي لا تسأل عما وجب فيها من الحقوق وحده، بل سل عنه وعما يتصل بها من المنفعة والمضرة إلي صاحبها. فإن قلت: كيف استدل علي الوجوب بالحديث؟ قلت: بعطف الرقاب علي الظهور؛ لأن المراد بالرقاب ذواتها، إذ ليس في الرقاب منفعة عائدة إلي الغير، كالظهور، وبمفهوم الجواب الآتي من قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما أنزل علي في الحمر شيء)). وأجاب القاضي عنه: بأن معنى قوله: ((لم ينس حق لله في رقابها)) أداء زكاة تجارتها.

وأقول: وجه هذه الكناية أن الرقاب ربما يكنى بها عن الانقياد والمملوكية، وما يساق للتجارة يقاد بها بما يشد علي رقابها للجلب، وينصره قوله: ((لم ينس)) فإنه لا يستعمل في الوجوب كقوله تعالي: {ولا تنس نصيبك من الدنيا}. وأما الجواب عن السؤال الأخير فإن الفاء في قوله: ((فالحمر)) جاءت عقيب المذكورات، كأنه قيل: عرفنا الوجوب في النقدين والأنعام، والندب في الخيل، فما حكم الحمير؟ وفي قوله: ((فالخيل ثلاثة)) جمع، وتفريق،

<<  <  ج: ص:  >  >>