١٧٧٩ - وعن أبي حُميدٍ الساعدي، قال: استعملَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد، يُقالُ له: ابنُ اللُّتْبية، علي الصدِقة، فلمَّا قدم، قال: هذا لكم، وهذا أُهديَ لي. فخطب النبيُّ صلى الله عليه وسلم فحمدَ اللهَ وأثنىَ عليه، ثمَّ قال:((أما بعد، فإني أستعملُ رجالاً منكم علي أمورٍ ممَّا ولإني الله، فيأتي أحدُهم فيقولُ: هذا لكم، وهذهِ هديةٌ أهديتْ لي، فهلا جلسَ في بيتِ أبيهِ أمه، فينظُر أيُهدى له أم لا؟! والذي نفسي بيدهِ لا يأخذُ أحدٌ منهُ شيئاً إلَا جاءَ به يومَ القيامةِ يحملهُ علي رقبته، إن كانَ بعيراً له رغاَءٌ
ــ
يبعثه إلي كشف كل غماء، وكذا حاله في زمن العمرين. ودل بصراحة لفظ الاحتباس علي سبيل إشارة النص المسمى بالإدماج علي أنه وقفها في سبيل الله. قيل: وفيه دليل علي وجوب الزكاة في أموال التجارة، وإلا لما اعتذر النبي صلى الله عليه وسلم عند مطالبة زكاة مال التجارة عن خالد بهذا القول. وقيل: وفيه أيضًا دليل علي جواز احتباس آلات الحروب، ويدخل فيها الخيل والإبل؛ لأنها كلها عتاد للتجارة، وكذا الثياب والبسط، وعلي جواز وقف المنقولات.
الحديث الثامن عن أبي حميد: قوله: ((ابن اللتبية)) ((مح)): اللتبية بضم اللام وإسكان التاء، ومنهم من فتحها. قالوا: وهو خطأ، والأصوب بإسكانها، نسبة إلي بني لتب - قبيلة معروفة - واسم اللتبية هذا عبد الله. وقال ابن الأثير في الجامع: بضم اللام وفتح التاء.
قوله:((هلا جلس في بيت أمه، أو أبيه)) فيه تعيير له وتحقير لشأنه. ((خط)): فيه دليل علي أن كل أمر يتذرع به إلي محظور فهو محظور، ويدخل في ذلك القرض يجر المنفعة. والدار المرهونة يسكنها المرتهن بلا كراء. والدابة المرهونة يركبها ويرتفق بها من غير عوض، وكل دخيل في العقود ينظر، هل يكون حكمه عند الانفراد كحكمه عند الاقتران أم لا؟ هكذا في شرح السنة، وعليه مذهب الإمام مالك رضي الله عنه، وفرع علي هذا الأصل في الموطأ أمثلة، منها: أن الرجل يعطي صاحبه الذهب الجيد، ويجعل معه رديئاً، ويأخذ منه ذهباً متوسطاً، مثلاً بمثل، فقال: هذا لا يصلح؛ لأنه أخذ فضل جيده من الرديء، ولولاه لم يبايعه. وهذا تلخيص كلامه.
أقول: فيحمل علي هذا ما استقر في عهدنا، وأفتى به من بيع شيء حقير بثمن ثمين مع استقراض برفع ربحه إلي ذلك الثمن، ومن رهن داراً بمبلغ كثير مع إجازة بشيء قليل. وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بنور المعجزة أن بعض أمته يرتكبون هذا المحظور حيث قال:((اللهم هل بلغت – مرتين -)) وسيجيء الكلام فيه في باب الربا.
قوله:((الرغاء)) ((نه)): الرغاء: صوت الإبل، وقد رغا يرغو رغاء، والخور: صوت البقر، ويقال: يَعرتْ المعزُ تيعَر بالكسر يُعار بالضم أي صاح. والعفرة: بياض ليس بالناصع، ولكن كلون عفر الأرض وهو وجهها.