للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والثاني: ألَاّ يختص نفع الإلقاء بالملقي فقط، فإن اختص به .. لم يصح الضمان، وقد ذكرهما "المنهاج" فقال [ص ٤٩١]: (وإنما يضمن ملتمسٌ لخوف غرقٍ، ولم يختص نفع الألقاء بالملقي) و"الحاوي" فقال [ص ٥٧٩]: (ومن قال لخوف الغرق: ألق متاعك ضامناً .. لزمه، لا إن احتاج الملقي فقط) ولم يتعرضا لإلقائه، كما صرح به "التنبيه" و"المحرر" (١) لوضوحه.

ولكن فائدة ذكره: أنه لابد أن يلقيه صاحبه أو مأذونه، فلو ألقاه شخص بغير إذنه أو سقط بريح أو غيرها .. لم يلزم القائل شيء، ثم في كلامهم أمور:

أحدها: قال شيخنا الإمام البلقيني: لا بد من الإشارة إلى ما يلقيه، فيقول: هذا، أو يكون المتاع معلوماً للقائل، فإن لم يكن معلوماً .. فلا يضمن إلا ما يلقيه بحضرته، ولا بد من استمراره على الضمان، فلو رجع عنه قبل الإلقاء .. لم يلزمه شيء، قال: ولم أر من تعرض له.

ثانيها: أنهم لم يبينوا المضمون هل هو المثل ولو صورة كالقرض، أو القيمة مطلقاً، أو المثل في المثلي والقيمة في المتقوم؟ وصرح في "الروضة" بالقيمة. ذكره في صيغة الضمان، فقال: أو على أني ضامن قيمته، وفى الحكم: فقال: قال البغوي: تعتبر قيمة الملقى قبل هيجان الأمواج؛ فإنه لا قيمة للمال في تلك الحال. ولا تجعل قيمة المال في البحر وهو على خطر الهلاك كقيمة البر (٢).

وقال شيخنا الإمام البلقيني: إن سمى ثمناً حالاً أو مؤجلاً .. لزمه ما سمى، وإلا .. فإن قلنا: إن الضامن لا يملك الملقى - وبه صرح الإمام وهو الأرجح - .. لزمه مثله إن كان مثلياً، وقيمته إن كان متقوماً كالشراء الفاسد، وإن قلنا: يملكه - وهو ما صرح به الماوردي - .. لزمته قيمته من النقد باعتبار تلك الحالة لا قبل الهيجان خلافاً للبغوي، ثم قال: وعلى الجملة فالأرجح: ما قال الإمام من عدم الملك، والأرجح على هذا: ضمان القيمة مطلقاً وتعذر ضمان المثل؛ لأنه لا مثل لمشرف على هلاك إلا مشرف على هلاك، وذاك بعيد، فتعينت القيمة، قال: ولم أر من حقق ذلك.

ثالثها: ما جزم به "المنهاج" و"الحاوي" من عدم اللزوم فيما إذا اختص نفعه بالملقي فقط ذكره القفال والقاضي حسين والبغوي وغيرهم (٣)، ولم يحك فيه الرافعي والنووي خلافاً، وحكى أبو الفرج الزاز في "تعليقه" عن بعض الأصحاب تصحيح هذا الضمان، وعن الشيخ أبي على: أنه على وجهين كما لو قال: أعتق عبدك عني وعليّ قيمته.

قال شيخنا الإمام البلقيني: وقضيه هذا البناء تصحيح الصحة كالأصح هناك، قال: والأصح


(١) التنبيه (ص ١٠٦)، المحرر (ص ٤١٢).
(٢) الروضة (٩/ ٣٣٩)، وانظر "التهذيب" (٧/ ١٨٨).
(٣) انظر "التهذيب" (٧/ ١٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>