للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي سنة خمس عشرة من مولده: كان قيام قُسِّ بنِ ساعدة الإياديِّ بسوق عكاظ: وهو سوق كانوا يبيعون فيه ويشترون، وكان قُسٌّ خطيبًا بليغًا حكيمًا.

روى ابن عباس - رضي الله عنهما -: لما وَفَدَ وَفْدُ إيادٍ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال لهم: "ما فعلَ قُسُّ بنُ ساعِدَةَ؟ "، قالوا: مات، قال: "كَأَنِّي أنظُرُ إليهِ بسوقِ عُكاظٍ على جملٍ أَوْرَقَ يتكلَّمُ بكلام له حلاوةٌ، ما أجِدُني أحفَظُه"، فقال رجل من القوم: أنا أحفظه يا رسول الله، سمعته يقول: أيها الناس! احفظوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آتٍ آت، ليلٌ داج، وسماءٌ ذات أبراج، وبحارٌ تزخر، ونجوم تزهر، وضوءٌ وظلام، وبرٌّ وآثام، ومطعمٌ ومشربٌ، وملبسٌ ومركبٌ، مالي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون؟ أَرَضُوا بالمقامِ فأقاموا، أم تُركوا فناموا؟ وإلهِ قُسٍّ! ما على وجه الأرض دينٌ أفضل من دينٍ قد أَظَلَّكم زمانُه، وأدرككم أوانُه، فطوبى لمن أدركه فاتَّبعه، وويل لمن خالفه، ثم أنشأ يقول:

في الذَّاهِبِينَ الأَوَّلِيـ ... ـنَ مِنَ الْقُرُونِ لَنَا بَصَائِرْ

لَمَّا رَأَيْتُ مَوَارِدًا ... لِلْمَوْتِ لَيْسَ لَهَا مَصَادِرْ

وَرَأَيْتُ قَوْمِي نَحْوَهَا ... تَمْضِي الأَصاغِرُ وَالأكَابِرْ

لا يَرْجِعُ الماضِي إِلَيَّ ... وَلا مِنَ الباقِينَ غَابِرْ

أَيْقَنْتُ أَنِّي لَا مَحَا ... لَة حَيْثُ صَارَ القَوْمُ صَائِرْ