وقال لأبي طالب: ما هذا الغلام منك؟ قال: ابني، قال: ما هو بابنك، وما ينبغي أن يكون أبوه حيًّا، قال: ابنُ أخي، قال: ما فعل أبوه؟ قال: هلك وأُمُّه حُبلى، قال: فما فعلَتْ أُمُّه؟ قال: توفيت قريبًا، قال: صدقْتَ، ارجعْ بابن أخيك إلى بلده، واحذرْ عليه اليهود، فوالله! لئن رأوه، وعرفوا منه ما عرفتُ، ليَبْغِينَّهُ بغيًا؛ فإن لابن أخيك شأنًا عظيمًا، واعلمْ أني قد أديت إليك النصيحةَ.
فرجع به أبو طالب بعد ما فرغوا من تجارتهم، وما خرج به سفرًا بعد ذلك خوفًا عليه (١).
وشبَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بلغ، وكان أعظمَ الناس مروءة وحلمًا، وأحسنَهم جوابًا، وأصدقَهم حديثًا، وأعظمَهم أمانة، وأبعدَهم عن الفحش، حتى صار اسمُه في قومه: الأمين؛ لما جمع الله فيه من الأمور الصالحة.
وحضر مع عمومته حربَ الفُجَّار وعمُره أربعَ عشرةَ سنة: وهي حرب كانت بين قريش وكنانة، وبين هوازن، وسميت بالفجار؛ لما انتهكت فيها هوازنُ حرمةَ الحرم، وكانت الكَرَّة في هذه الحرب أولًا على قريش وكنانة، ثم كانت على هوازن، وانتصرت قريش.