تحتَها، فنزلَ بحيرا من صومعته، وأمر بذلك الطعام، فأُتي به، وأرسل إليهم، وقال: إني صنعت لكم طعامًا يا معشر قريش، وأنا أحبُّ أن تحضروا كلكم، ولا يتخلف منكم صغير ولا كبير، ولا حر ولا عبد؛ فإن هذا شيء تكرموني به، فقال رجل: إن لك لشأنًا يا بحيرا.
ثم اجتمعوا إليه، وتخلَّفَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، لحداثة سنه، فلما نظر بحيرا إلى القوم، لم ير الصفة التي يجدها عنده، ورأى الغمامة متخلفةً على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال بحيرا: يا معشر قريش! ألم أقل لكم: لا يتخلف أحد عن طعامي؟ قالوا: ما تخلف إلا غلام حَدَث، قال: ادعوه فليحضُرْ طعامي، مع أني أراه من أنفَسكم، قالوا: هو - والله - من أوسطنا نسبًا، وهو ابنُ أخي هذا الرجل - يعنون: أبا طالب -، فقام إليه الحارث بن عبد المطلب، فاحتضنه، وأقبل به حتى أجلسه على الطعام، والغمامةُ تسير على رأسه، فجعل بَحيرا يلحظه لحظا شديدًا، وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدُها عنده من صفته.
فلما تفرقوا عن الطعام، قام إليه الراهب، وقال: يا غلام! أسألك باللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَسْأَلْني بالَّلاتِ والعُزَّى، فَوَاللهِ! ما أبغضْتُ شَيْئًا بُغْضَهَا".
قال: فبالله! إلا أخبرتني عما أسألك عنه، قال:"سَلْني عَمَّا بَدَا لَكَ"، فجعل يسأله عن أشياء من حاله، ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يخبره، فيوافقُ ذلك ما عنده، ثم جعل ينظر بين عينيه، ثم كشف عن ظهره، فرأى خاتم النبوة بين كتفيه، فقبَّلَ موضعَ الخاتم.