للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وطلبه للحضور، واستمر المنصب بغير قاض مدة طويلة، فلم يُقدر لابن مفلح بالحضور، فأجمعت الآراء على تولية شيخنا المشار إليه بحكم استحقاقه لذلك، وأهليته، وعدم نظير له بالديار المصرية، فاقتضى والي مولانا السلطان الملك الأشرف أبي النصر قايتباي، وأركان دولته استقراره فيها.

ولقد أصاب في ذلك التوفيق؛ فإنه وضع الشيء في محله، وكانت توليته في يوم ختم "البخاري" بقلعة الجبل المنصورة بالقصر الشريف، في نهار الأحد، ثامن عشري رمضان المعظم، سنة ست وسبعين وثمان مئة، وألبس التشريف من حضرة السلطان، ونزل في خدمته قضاة القضاة، ومشايخ العلم والفقهاء، وخلفاء الحكم، وغيرهم إلى المدرسة الصالحية النجمية، ثم إلى منزله، وحصل بولايته الجمال للديار المصرية، بل ولسائر مملكة الإسلام، وتزايد السرور عند الخاص والعام، وانتصب للنظر في الأحكام الشرعية، وجعل مجلس حكمه بالمدرسة الصالحية بقاعة الحكم، وسلك في مباشرته طريقةَ شيخه قاضي القضاة عز الدين في الورع والعفة، حتى في قبول الهدية، والتوقف في الأمور التي يُقدم عليها كثير من الحكام، وعظم أمره، وعلت كلمته، وحسنت سيرته، ومع ذلك، فهو متواضع، لين الجانب، لا يحب الفخر ولا الخيلاء، وعنده بشاشة وحسنُ لقاء لمن يَرِدُ عليه.

ولقد أكرم مثواي عند تمثُّلي بين يديه، في شهور سنة ثمانين وثمان مئة، وأقمت تحت نظره للاشتغال بالعلم الشريف، فتفضل عليَّ، وأحسن