والزهد، والصبر على خشونة العيش، وكان لا يدخل الحمام، ولا يأكل من فواكه دمشق؛ لما في ضمانها من الحيلة والشبهة، وكان يتقوَّت مما يأتي من بلده من عند أبويه، ولا يأكل إلا أكلة واحدة في اليوم والليلة بعد عشاء الآخرة، ولا يشرب إلا شربة واحدة عند السحر، ولم يتزوج.
وكان كثير السهر في العبادة والتصنيف، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، يواجه به الملوك فَمْن دونهم، وحج مرتين، تولى دار الحديث الأشرفية سنة خمس وستين، فلم يأخذ من معلومها شيئًا إلى أن توفي، وكان يلبس ثوبا قطنيًا، وكان في لحيته شعرات بيض، وعليه سكينة ووقار في البحث مع الفقهاء، وفي غيره.
ولم يزل على ذلك إلى أن سافر إلى بلده، وزار القدس والخليل، ثم عاد إليها، فمرض بها عند أبويه، وتوفي ليلة الأربعاء، رابع عشري شهر رجب، سنة ست وسبعين وست مئة، ودفن ببلده - رحمه الله تعالى، ورضي عنه، وعفا عنه، ونفعنا ببركته وبركة علومه في الدنيا والآخرة بمنه وكرمه - أَمين.
وقد انتهى بهرُ من تقدم ذكرُه من الأعيان على الحروف.
* * *
وقد عَنَّ لي أن أذكر أسماء بعض الأعيان من الصحابة - رضي الله عنهم - فأقول، والله الموفق: