عسكر معاوية، فلم يبق لأهل الشام صفٌّ إلا انتقض، ثم تقاتلوا، وكانت ليلة الجمعة، واستمر القتال إلى الصبح، وروي أن عليًّا كَبَّر تلك الليلة أربعَ مئة تكبيرة، وكانت عادته أنه كلما قتل قتيلًا، كبّر، ودام القتال إلى ضحى يوم الجمعة.
ولما رأى عمرو ذلك، قال لمعاوية: هَلُمَّ نرفع المصاحفَ على الرماح، ونقول: هذا كتاب الله بيننا وبينكم، ففعلوا ذلك، ولما رأى أهل العراق ذلك، قصدوا الإجابة، فقال علي: امضوا على حقكم وصدقكم في قتال عدوكم، ثم قال: ويحكم! والله! ما رفعوها إلا خديعة ومكيدة، ثم وقع بين علي وقومه اختلاف في القول.
ولما كَفُّوا عن القتال، سألوا معاوية: لأيِّ شيء رفعت المصاحف؟ فقال: تبعثوا حكمًا منكم، وحكمًا منَّا، ونأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله، ثم نتبع ما اتفقا عليه، فوقعت الإجابة من الفريقين إلى ذلك.
ووقع اختلاف في القول فيمن يكون حكمًا، فاستقر الحال على أن يكون أبو موسى الأشعري من جهة علي، وأخرج معاويةُ عمرَو بنَ العاص ابنِ وائل، واجتمع الحكمان عند عليّ.
وكتبوا بحضوره: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هذا ما تقاضى أمير المؤمنين علي، فقال عمرو: هو أميرُكم، وأما أميرُنا، فلا، فقال الأحنف: لا تمسح اسمَ أمير المؤمنين، فقال الأشعث بن قيس: امحُ هذا الاسم، فأجاب عليٌّ، ومحاه، وقال علي: الله أكبر مشبه بنبيه، وإني - والله - لكاتبُ رسولِ الله يوم الحديبية، فكتب: محمد رسول الله، فقالوا: لستَ