للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- كما تقدم -، ولما أفضى الأمر إليه، دخل منزله، فلم يظهر للناس ثلاثة أيام، فاجتمع ببابه أشراف العرب، ووفود البلدان، ليعزوه بأبيه، ويهنوه بالخلافة، فلما كان اليوم الرابع، خرج وهو أشعثُ أغبرُ، وصَعِدَ المنبرَ، فحمِدَ الله، وأثنى عليه، ثم قال: إن معاوية كان حبلًا من حبال الله، أمدَّه الله ما شاء أن يمدَّه، ثم قطعه حين شاء أن يقطعه، وكان دونَ مَنْ قبله، وخيرًا ممن بعده، إن يغفر الله له، فهو أهلُه، وإن يعذبه، فبذنبه، وقد وليت الأمرَ بعده، وإذا أراد الله شيئًا، كان، فاذكروا الله، واستغفروه، ثم نزل، ودخل منزله، وأذن للناس، فدخلوا عليه، وقاموا يعزونه ويهنئونه بالخلافة، وأمر لكلِّ واحد بمال على قدره.

ودخل عليه عبدُ الملك بن مروان يومًا، فقال: يا أمير المؤمنين! أُرَيضةٌ لك إلى جانب أرض لي، ولي فيها سَعَة، فأَقطعنيها، قال: يا عبد الملك! إنه لا يتعاظمني كبير، ولا أُخْدَع عن صغير، أخبرني عنها، وإلا سألتُ غيرك، قال: يا أمير المؤمنين! ما بالحجاز مالٌ (١) أعظمُ منه قدرًا، قال: قد أقطعتك ذلك، فشكره عبد الملك، ودعا له، فلما ولَّى، قال يزيد: الناس يزعمون أن هذا خليفة، فإن صدقوا، فقد صانعناه، وإن كذبوا، فقد وصلناه.

وكان يزيد صاحبَ طُرُد وجوارح، وكلاب وقرود، تنادمه على الشراب، وفي أيامه استُعملت الملاهي، وظهر شربُ الشراب والسماع.


(١) في الأصل: "مالًا".