للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مولدُه سنة ثلاث وتسعين من الهجرة، في خلافة الوليد بن عبد الملك.

وكان أسمر، نحيف البدن، خفيف العارضين، يخضِب بالسواد، وقيل: إنه كان يغيّر شيبه بألف مثقال من المسك في كلِّ شهر.

بويع له يوم مات أخوه، وكان يومئذ بمكة، وقام عمُّه عيسى بن علي ببيعته، وأتته الخلافة وهو بطريق مكة.

وكان حازمَ الرأي، قد عركته الأيام والتجارب، وكان كثير اليقظة والتبصر في الأمور، قد جال في الأرض، وكتب الحديث، وتصرَّف في الأعمال، وكان من أحسن الناس خُلُقًا ما لم يخرجْ إلى الناس، فإذا خرج، اربدَّ لونه، واحمرَّت عيناه، ولم يُر في داره لهو، ولا شيء يشبه اللهو.

وكان المنصور يجلس صدرَ نهاره في إيوانه للأمر والنهي، والولايات والعزل، والخراج، وغير ذلك، ثم يتغدى، ويصلي الظهر، وَيقيل، فإذا صلى العصر، جلس لأهل بيته، ومن أحبَّ أن يسامره، فإذا صلى العشاء، نظر فيما ورد عليه من كتب الثغور والآفاق، وشاور سُمّاره في بعض ذلك، فإذا مضى ثلث الليل، قام إلى فراشه، وانصرف سمّارُه، فإذا مضى ثلثا الليل، قام من فراشه، وأسبغ الوضوء، وانتصب في محرابه حتى يطلع الفجر، فيخرج، فيصلي بالناس، ثم يدخل، فيجلس في إيوانه.

وحج غيرَ مرة، وزار بيت المقدس، ووسّع المسجدَ الحرام ناحيةَ باب الندوة، سنة سبع وثلاثين ومئة، وبنى مسجد الخيف.