وفي ليلةِ توفي الهادي وُلد لهارونَ ولدٌ سماه: عبدَ الله المأمون، ولم يكن في سائر الزمان ليلة مات فيها خليفة، وولي فيها خليفة، ووُلد فيها خليفة إلا هذه الليلة.
ثم إن الرشيد استوزر البرامكةَ، وتقدَّموا عنده لأرفع درجات الإجلال، وقال ليحيى: قد وليتك أمورَ الناس، فاحكمْ في ذلك بما ترى من الصواب، واستعملْ من اخترتَ، ودفع إليه خاتمه.
وكان الرشيد يحبُّ الشعر، ويهوى السماع، وكان يشرب في يومين من الجمعة: الأحد، والثلاثاء، وما رآه أحد يشرب نبيذًا ظاهرًا.
وهو أول من جعل المغنين طبقات ومراتبَ على قدر إحسان المحسنِ منهم، وعلى قدر طبقاتهم ومراتبهم كانت تخرج جوائزهم وصِلاتهم.
وكان الرشيد سخيًا كريمًا، جوادًا شجاعًا، كثير الحج والغزو، وكان يحج سنة، ويغزو سنة، حج في خلافته ثمان حِجَج، وقيل: تسعة، وغزا ثماني غزوات.
وكان يصلي في كل يوم مئة ركعة، لا يتركها إلا لعارض شديد، حتى فارق الدنيا.
وكان يتصدق من ماله كلَّ يوم بألف درهم.
وعقد الرشيد البيعة لابنه محمد الأمين، وكان بنو هاشم تحب ولاية محمد الأمين تعصُّبًا من قبل أبيه وأمه.