للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان الرشيد والوزراء يعرفون لعبد الله المأمون مكانَه من العقل والذكاء والدهاء، والتفوق في العلم، فلم يزل أمره ينمو في نفس الرشيد، حتى عقد له البيعةَ بعد أخيه الأمين، ووافق في ذلك اليوم قدومُ الشافعي - رضي الله عنه - إلى بغداد، فوجد الناس قد بَكَّروا ليهنئوا الرشيد، فجلسوا في دار العامة ينتظرون الإذن، وجعلوا يقولون: كيف يكون قولُنا؟ إن دعونا لهما، كان دعاءً على الخليفة، وإن لم ندع لهما، كان نقصًا في حقهما، فدخل الشافعي فجلس، وقال:

لا قَصَّرَا عَنْهَا وَلاَ بَلَغَتْهُمَا ... حَتَّى يَطُولَ عَلَى يَدَيْكَ طِوَالُها (١)

وحج الرشيد بالناس في سنة خمس وثمانين ومئة، وحج معه ابناه، وولِيَّا عهده: محمد الأمين، وعبد الله المأمون، وفرَّق في أهل مكة والمدينة ما مبلغه ألفُ ألفِ دينار، وخمسون ألف دينار، وعقد بين ولديه شرطًا، وعلقه في الكعبة، فلما رُفع الكتاب ليعلَّق بالكعبة، سقط قبل أن يعلق، فقال بعض الحاضرين (٢): هذا الأمر سريعٌ انتقاضُه قبل تمامه.

واجتمع للرشيد ما لم يجتمع لغيره من جدٍّ وهزل.

قاضيه أبو يوسف، وشاعره مروان بن أبي حفصة، ونديمه عم أبيه


(١) انظر: "تاريخ الطبري" (٥/ ٢٦). وفيه: إن هذا البيت لعبد الله بن مصعب ابن ثابت بن عبد الله بن الزبير.
(٢) في الأصل: "الحاضر".