ثم رحل منها في أواخر شعبان، ونزل يوم السبت ثاني شهر رمضان على ساحل مصر بالجزيرة، فخرج إليه القائد جوهر، وترجَّل عند لقائه، وقبَّل الأرض بين يديه.
وبالجزيرة - أيضاً - اجتمع به الوزير الفضل جعفر بن الفرات، وأقام المعز هناك ثلاثة أيام، وأخذ العسكر في التعدية بأثقالهم إلى ساحل مصر، ولمّا كان يوم الثلاثاء، لخمسٍ خلون من رمضان من السنة، عَبَر المعز النيل، ودخل القاهرة، ولم يدخل مصر، وكانت قد زينت، فظنوا أنه يدخلها، وأهلُ القاهرة لم يستعدوا؛ لأنهم بنوا الأمر على دخوله مصر أوّلاً، ولما دخل القاهرة، دخل القصر، ودخل مجلساً منه، وخر ساجداً، ثم صلى ركعتين، وانصرف الناس عنه.
وهذا المعز هو الذي تنتسب إليه القاهرة، فيقال: القاهرة المعزيَّة؛ لأنه بناها القائد جوهر له.
وفي يوم الجمعة، لثلاثَ عشرةَ ليلة بقيت من المحرم، سنة أربع وستيَن عَزَل المعزُّ القائد جوهراً عن دواوين مصر، وجباية أموالها، والنظر في سائر أموره.
وكان المعز عاقلاً حازماً، حسنَ النظر، ينسب إليه من الشعر:
لِلهِ مَاصَنَعَتْ بِنَا ... تِلْكَ المَحَاجِرُ في المَحَاجِرْ