فإن آثار البناء القديم موجود إلى الآن، والله أعلم.
* ومنها: أنه حَدَث في أيامه الغلاء العظيم الذي ما عُهد مثلُه منذ زمن يوسف - عليه السلام -، أقام سبع سنين، وأكل الناسُ بعضُهم بعضاً، حتى قيل: إنه بيع رغيف واحد بخمسين ديناراً.
وكان المستنصر في هذه المدة يركب وحدَه، وكلُّ مَنْ معه من الخواصِّ مترجلون، ليس لهم دواب، وكانوا إذا مشوا، تساقطوا في الطرقات من الجوع، وكان المستنصر يستعير من ابن هبة الله صاحبِ ديوان الإنشاء دابةً ليركبها صاحبُ مِظَلَّته.
ويقال: إن وزيره كان له بغلة، فركبها يوماً إلى خَدَمة المستنصر، فسرقوها، فأكلوها في الحال، فَمَسك منهم جماعة، وأمر بصلبهم، فأخذهم الناس عن الخشب، وأكلوهم، وأكلوا الحمير والكلاب والبغال.
وآخر الأمر توجهت أم المستنصر وبناتها إلى بغداد من فرط الجوع، وذلك في سنة اثنتين وستين وأربع مئة، وتفرق أهل مصر في البلاد، وتشتتوا.
ولم يزل هذا الأمر على شدته حتى تحرك بدرٌ الجماليُّ والدُ الأفضل أمير الجيوش من عكا، وركب البحر، وهو أنه كان متولياً سواحل الشام، فأرسل إليه المستنصر يشكو حاله، واختلال دولته، فركب البحر في قوة الشتاء، في زمنٍ لا يُسلك البحر، فمنَّ الله عليه بالسلامة، ووصل بدرٌ إلى مصر في سنة سبع وستين وأربع مئة، وقبض على الأمراء والقواد الذين