للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولقِّب بالشهيد؛ لما حصل له في حلقه من الخوانيق، وكذا يقال لأبيه: الشهيد، ويلقب بالقسيم، وكانت الفرنج تقول: القسيم بن القسيم.

ونقل عن جماعة من الصوفية ممن يعتمد على قولهم: أنهم دخلوا بلاد القدس للزيارة أيام أخذ الفرنج القدس، فسمعهم يقولون: إن القسيم له مع الله سر؛ فإنه ليس يظفر ويُنصر علينا بكثرة جنده وجيشه، وإنما يظفر علينا وينصر بالدعاء وصلاة الليل.

وكان يقول: تعرضت للشهادة غير مرة، فلم يتفق في ذلك، ولو كان فيّ خيرٌ، أو في عند الله قيمة، لرزقنيها، والأعمال بالنية.

وقال له يوماً قطبُ الدين النيسابوري: بالله يا مولانا السلطان! لا تخاطر بنفسك؛ فإنك لو قتلتَ نفسك، قتلتَ جميع مَنْ معك، وفسد حال المسلمين، فقال له: اسكت يا قطب الدين، قولُك إساءةُ أدب على الله، ومن هو محمود؟ ! من كان يحفظ الدين والبلاد قبلي غيرُ الله الذي لا إله إلا هو، ومن هو محمود؟ فبكى من كان حاضراً (١).

وكان قد شرع يتجهز للدخول إلى مصر لأخذها من صلاح الدين، وكان يريد أن يخلي ابن أخيه سيف الدين غازي بن مودود في الشام قبالة الفرنج، ويسير هو بنفسه إلى مصر، فأتاه أمرُ الله الذي لا مَرَدَّ له (٢).

وكان نور الدين أسمر، طويل القامة، ليس له لِحية إلا في حنكه،


(١) انظر: "البداية والنهاية" لابن كثير (١٢/ ٢٨٠).
(٢) انظر: "الكامل في التاريخ" لابن الأثير (١٠/ ٥٦).