وعزم على الدخول إلى مصر، وإخراج صلاح الدين عنها، فبلغ صلاحَ الدين الخبر، فجمع أهله، وفيهم والده نجمُ الدين أيوب، وخاله شهابُ الدين الحازمي، ومعهم سائر الأمراء، فأعلمهم ما بلغه عن نور الدين، وعزمه على قصده، وأخذِ مصر منهُ، واستشارهم، فلم يجبهُ أحد منهم بشيء، فقام تقيُّ الدين عمر ابن أخي صلاح الدين، وقال: إذا جاءنا، قاتلناه، وصددناه عن البلاد، ووافقه غيرُه من أهله، فشتمهم نجم الدين أيوب، وأنكر عليهم ذلك، واستعظمه، وكان ذا رأي وفكر وعقل، وقال لتقي الدين: اقعد، وشتمه وسبه، وقال لصلاح الدين: أنا أبوك، وهذا شهاب الدين خالك، انظر لعل في هؤلاء من يحبك مثلنا، ويريد لك الخير مثلنا؟ قال: لا، فقال: والله! لو رأيت أنا وخالك هذا نورَ الدين، لم يمكنا إلا الترجُّلُ له، وتقبيل الأرض بين يديه، ولو أمرنا أن نضرب عنقَك بالسيف، لفعلنا، فإذا كنا نحن هكذا، فكيف يكون غيرنا؟ وكل من تراه من الأمراء والعساكر لو رأى نورَ الدين وجده، لم يتجاسر على الثبات في سرجه، وما وسعه إلا النزولُ وتقبيل الأرض بين يديه، وهذه البلاد له، وقد أقامك فيها، وإن أراد عزلك، فأي حاجة له إلى المجيء بنفسه يأمرك بكتاب مع نجاب حتى تقصد خدمته، ويولي بلاده من يريد.
وقال للجماعة كلهم: قوموا عنا، ونحن مماليكُ نور الدين وعبيدُه، يفعل بنا ما يريد، فتفرقوا على هذا، وكتب أكثرهم إلى نور الدين يعلمه بالخبر.