ولمَّا خلا نجمُ الدين أيوب بولده صلاح الدين، قال له: أنت جاهل قليل المعرفة، تجمع هذا الجمع الكثير، وتطلعهم على ما [في] نفسك! فإذا سمع نور الدين أنك عازم على منعه البلاد، جعلك أهم الأمور إليه، وأولاها بالقصد، فلو قصدك، لم تر معك أحداً من هذا العسكر، وكانوا يسلموك إليه، وأمّا الآن بعد هذا المجلس، فسيكتبون إليه، ويعرفونه قولي، فتكتب إليه أنت، وترسل في المعنى، وتقول: أي حاجة إلى قصدي يجيء نجاب يأخذني بحبل في عنقي، فهو إذا سمع هذا، عدل عن قصدك، واستعمل ما هو أهم عنده، والأيام تندرج، والله - عَزَّ وَجَلَّ - كلَّ يوم هو في شأن.
ففعل صلاح الدين ما أشار به والده، فلما رأى نور الدين الأمر هكذا، عدل عن قصده، وكان الأمر كما ذكر نجم الدين والدُه، ومات نورُ الدين ولم يقصده، وهذا كان من أحسن الآراء وأجودها (١).
وفي سنة ثمان وستين وخمس مئة: سار صلاح الدين من مصر إلى الكرك، وحصرها، وكان قد وعد نورَ الدين أن يجتمعا على الكرك، وسار نور الدين من دمشق حتى وصل إلى الرقيم، وهو بالقرب من الكرك، فخاف صلاح الدين من الاجتماع بنور الدين، فرحل عن الكرك عائداً إلى مصر، وأرسل تحفاً إلى نور الدين، واعتذر أن أباه أيوبَ مريض، ويخشى أن يموت، فتذهب مصر، فقبل نور الدين عذره في
(١) انظر: "الكامل في التاريخ" لابن الأثير (١٠/ ٣٦).