ثم بث السلطان عسكره، ففتحوا الرملة، والداروم، وغزة، وبيت لحم، وبيت جبريل، والبطرون، وغير ذلك.
ثم سار السلطان، ونازل القدس، وبه من النصارى عددٌ يفوت الحصر، وضايق السلطان السور بالنقَّابين، واشتد القتال، وعلَّقوا الستور، وطلب الفرنج الأمان، فلم يجبهم السلطان إلى ذلك، وقال: لا آخذها إلا بالسيف، مثل ما أخذها الفرنج من المسلمين، فعاودوه في الأمان، وعرَّفوه ما هم عليه من الكثرة، وأنهم إن أيسوا من الأمان، قاتلوا خلاف ذلك، فأجابهم السلطان إليه بشرط أن يؤدي كلُّ من بها عشرة دنانير عشرة دنانير من الرجال، وتؤدي النساء خمسة خمسة، ويؤدى عن الطفل دينارين، وأي من عَجَز عن الأداء كان أسيراً، فأجيب إلى ذلك، وسلِّمت إليه المدينة يوم الجمعة، في السابع والعشرين من رجب، سنة ثلاث وثمانين وخمس مئة، وكان يوماً مشهوداً، ورفعت الأعلام الإسلامية على أسواره، ورتب السلطان على أبواب البلد من يقبض منهم المال المذكور.
وكان على رأس قبة الصخرة صليب كبير مُذَهَّب، وتسلق المسلمون وقلعوه، فسُمع لذلك ضجة لم يُعهد مثلُها من المسلمين للفرح والسرور.
وكان بيت المقدس في أيدي الفرنج من يوم الجمعة، لسبعٍ بقين من شعبان، سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة - كما تقدم في ترجمة المستعلي بأمر الله العلوي صاحب مصر - وكان الفرنج قد عملوا في غربي الجامع الأقصى هرباً ومستراحاً، فأمر السلطان بإزالة ذلك، وإعادة الجامع إلى ما كان عليه.