للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمتتبع لمسيرة الرواية في عصرها يلحظ بسهولة تحقق هذه الأغراض الثلاثة، ويهمنا منها هنا الحديث عن الغرض الثالث، وهو النقد، فالنقد سار جنبا إلى جنب مع الرواية، فنقاد الحديث وصيارفته هم أيضا من أساطين الرواية وحفاظ الحديث، والرواة -خاصة المكثرين منهم- هم نقاد أيضا، لديهم ملكة النقد، ولديهم الاستعداد له، وإن لم يكثروا منه، أو لم يشتهروا بذلك، وتدون أقوالهم، وتنقل إلينا، كما تقدم مثله في نقد الرواة أنفسهم (١).

ومن غير المستغرب أن يحدث أحد الرواة بحديث، أمام جمع غفير من الآخذين عنه، فيخطئ في حديث، فيضج المجلس كله يناديه أنك أخطأت، فهذا الحديث ليس عن فلان، إنما هو عن فلان، أو هذا الحديث ليس من حديثك أصلا، فيتراجع الراوي عن التحديث به ويتوقف فيه (٢).

ومن المهم بالنسبة للباحث أن يجتهد بقدر الإمكان ليقترب من ذلك العصر، ويتأمل ما يدور في مجالس التحديث، ومجالس المذاكرة والنقد، وسيتحقق له أغراض كثيرة بإذن الله تعالى، تتعلق بشخصيته النقدية، وسلوكه للمنهج الصحيح في النقد.

وقد رأيت أن أخصص هذا الفصل لنعيش في محيط ذلك المجتمع العلمي


(١) «الجرح والتعديل» ص ٣٨٥.
(٢) ينظر: «تاريخ الدوري عن ابن معين» ٢: ٢٢٩ - ٢٣٠، و «سؤالات الآجري لأبي داود» ٢: ١٨٨، و «الجرح والتعديل» ١: ٣٣٦ - ٣٣٧، و «الجامع لأخلاق الراوي» ٢: ٤٣ - ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>