المسلك الثاني فهو تقييد لكلام النقاد، وقصر له على بعض أفراده، مع أن نصوصهم وأقوالهم تأباه، وذلك لأمور:
الأول: جعل النكارة في كلام النقاد على معنيين، اصطلاحي بمعنى التضعيف والرد، ولغوي بمعنى التفرد - بعيد جدا، فكلامهم كله محمول على الاصطلاح، والتفريق يحتاج إلى دليل قوي، كيف والدليل يدل على نقيضه؟ فإن كلامهم على تفرد الثقة واستنكاره يصحبه في الغالب ما يشير إلى المراد، وهو رده وتضعيفه، كما في الأمثلة السابقة في الفصلين الأول والثاني، إذ قد يسميه وهما، أو خطأ، أو يقول: لا أصل له، ونحو ذلك.
والمتأمل في إطلاقهم لفظ (النكارة)، وما تصرف منه مثل: حديث منكر، وأحاديث مناكير، واستنكر عليه، وأنكرت من حديثه، وكان فلان ينكر عليه حديث كذا، وذكرت له الحديث الفلاني فأنكره، ونحو ذلك، يدرك أن المقصود به التضعيف والرد.
ثم إن تمييز نوع النكارة في نصوص النقاد إذا قيل به، كيف يمكن ضبطه؟ إن رجع الأمر إلى درجة الراوي لم يكن للتفرد حينئذ كبير معنى، ونصوصهم تدل على أن الأمر في هذا النوع من النقد يدور عليه.
ثم إن ربطه بدرجة الراوي يجعل الأمر مضطربا، فإن الراوي متى كان فيه توثيق معتبر، فهو في حيز القبول، أمكن أن يذهب ذاهب إلى تفسير النكارة في حديث استنكر عليه بأن المقصود بها التفرد، لا التضعيف، وجوابهم عن هذا سيكون ضعفه ظاهرا.