للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يتعجب منه في عمل المتأخرين تناقضهم في موقفهم من أقوال النقاد، إذ يعتمدون عليهم في درجات الرواة، ويقلدونهم في ذلك، ثم يدعونهم فيما يستنكرونه على هؤلاء الرواة، والقارئ يلحظ ذلك في النص الواحد حين ينقلونه عن المتقدمين، فحديث (اللواط) الآنف الذكر، وكذلك حديث عمرو بن أبي عمرو الآخر في (الواقع على بهيمة) -وبعض الرواة يرويهما عنه حديثا واحدا- سلك فيهما المتأخرون ضروبا من مخالفة أئمة النقد في المنهج، في الاتصال والانقطاع، وفي قضيتنا هذه قضية التفرد، وفي الشد والاعتضاد بالطرق الأخرى، وغير ذلك (١).

وقد أشار السخاوي إلى هذا التناقض، فقال بعد أن ذكر منزلة أئمة النقد في الحكم على الأحاديث: «وهو أمر يهجم على قلوبهم لا يمكنهم رده، وهيئة نفسانية لا معدل لهم عنها، ولهذا ترى الجامع بين الفقه والحديث -كابن خزيمة، والإسماعيلي، والبيهقي، وابن عبدالبر- لا ينكر عليهم، بل يشاركهم، ويحذو حذوهم، وربما يطالبهم الفقيه أو الأصولي العاري عن الحديث بالأدلة، هذا مع اتفاق الفقهاء على الرجوع إليهم في التعديل والتجريح، كما اتفقوا على الرجوع في كل فن إلى أهله، ومن تعاطى تحرير فن غير فنه فهو متعني ... » (٢).

ورأيت بعض الباحثين المعاصرين جمع جرامزه فوثب وثبة ظن أنه بلغ فيها عنان السماء، وقدماه لم ترتفعا عن الأرض، إذ ذهب إلى نكارة حديث (اللواط)،


(١) انظر: «الثقات الذين ضعفوا في بعض شيوخهم» ص ١٧٣ - ١٧٧.
(٢) «فتح المغيث» ١: ٢٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>