كأبي هريرة، وابن عمر، وجابر، وأنس، أو ممن بعدهم كنافع مولى ابن عمر، وقتادة، وشعبة، والأعمش، والزهري، وأبي إسحاق السبيعي، ونحوهم، وهو ما يعرف بعلم طبقات الرواة في الرتبة والدرجة، لا في الزمن، وهو باب مهم جدا، لأن هؤلاء وأمثالهم تدور غالب الأحاديث عليهم.
فهذه الخطوات الأربع قام الأئمة بها عن طريق مقارنة المرويات، وعرض الروايات بعضها على بعض، وقد تقدم شرحها وما يتعلق بها من مسائل في الكتاب الأول «الجرح والتعديل»، وإنما ذكرتها هنا ملخصة لارتباطها الوثيق جدا بموضوع عمل الأئمة عند اختلاف الأسانيد، فالخطوات الأربع هذه بمثابة المواد الأولية لعمل جليل عظيم قاموا به، وإدراك الباحث لهذا الارتباط هو مفتاح فهمه لأسس وقواعد نقد المرويات بنظرة شاملة ومستوعبة.
والخطوة الخامسة -وهي موضوع الحديث هنا كما أسلفت-: أنهم إذا روي لهم الحديث المعين أو سئلوا عنه ورأوا أن بين رواته اختلافا في إسناد الحديث أو متنه احتاج الحديث عندهم حينئذ إلى دراسة ونظر، فلا يصححون الأوجه كلها، أو يحكمون لبعضها بأنه الصواب، وعلى بعضها بأنه خطأ، إلا بعد الدراسة والنظر، فليس عندهم حكم عام مطرد على جميع الأحاديث التي وقع فيها اختلاف، كأن يقال: الحكم لمن زاد، أو الحكم لمن نقص، أو الحكم للأكثر ... الخ، وإنما كل حديث وجد فيه ذلك له عندهم نظر خاص به، يخضع الحكم النهائي فيه لمجموعة من القرائن والمرجحات يراعيها الإمام حين يصدر حكمه.