فكل هذا لا يصح أبدا، والباحث إذا فعل هذا يكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، فقد قضى على جهده السابق في جمع الطرق، والنظر في الاختلاف، ووقع في التناقض، ففي حديث أبي هريرة هذا كأنه يقول: محمد بن فضيل قد غلط على الأعمش، فهذه نتيجة النظر في الاختلاف، تم عاد فقال: ولكن محمد بن فضيل لم يغلط، وهذا مقتضى اعتماد إسناده ليعتضد بغيره، أو ليعضد غيره.
ورب قائل يقول: نرى هذا كثيرا في كلام المتأخرين على الأحاديث، فالإسناد المعلول يعتمدونه، ويبحثون له عن متابعات وشواهد، ويعضدونه بها، وأيضا يعضدون به غيره، فما توجيه ذلك؟
وتوجيهه أن كثيرا من المتأخرين لا يلتفتون إلى علل الأحاديث، فلم ينظروا في الاختلاف أصلا، والإسناد إذا كان ظاهره الاستقامة صححوه، أو حسنوه، بغض النظر عن الطرق الأخرى المعلة له، وقد مضى شرح مذهبهم ومقارنتهم بمنهج أئمة النقد في الفصل الأول من هذا الباب.
وليس الكلام هنا معهم، وإنما هو مع من يتصدى للنظر في الاختلاف، ويصل إلى راجح عنده ومرجوح، ثم بعد ذلك يعود على عمله بالنقض، ويعتمد المرجوح في الاعتضاد.
فمن ذلك أن ابن حجر تكلم على الحديث المتقدم آنفا, وهو حديث الزبيدي، عن الزهري، عن عروة، عن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة:«أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى في بيتها جارية ... » الحديث، وعالج الاختلاف الواقع فيه على الزهري، ودافع عن إخراج الشيخين للحديث موصولا، ثم قال: «وقد جاء حديث عروة