رأي له، فهو محتاج إلى من يساعده ويعينه على ذلك، وسيجد ضالته في كلام النقاد، ويتأكد هذا إذا استحضرنا ما تقدم في الفصل الرابع من الباب الأول، وهي الوسائل الخاصة بالنقاد، وليس بمقدورنا نحن تطبيقها والاستفادة منها.
ومن الفوائد كذلك أن الباحث حين نظره في الطرق، ورواة الأوجه، وصفة رواية كل منهم، يظهر لديه رأي في هذا الاختلاف، لكنه محتاج إلى رأي ناقد يتكئ عليه، ويطمئن إلى سلامة نظره واجتهاده هو، فإذا وقف عليه فرح بذلك واستبشر.
ومن فوائد جمع كلام النقاد والنظر فيه أن الباحث يتعود على تحليل النصوص، والتمعن فيها، وفحصها، ويتربى كذلك على تقبل الرأي المخالف، ويدرك أن ما فيه مجال للاجتهاد من مسائل العلم الأمر فيه واسع، ووجود عدة آراء فيه قريب جدا، لا إشكال فيه.
ومما يتعلق بهذا أن الباحث يبتعد في هذا العلم -وفي كافة العلوم- عن القطع في كل مسألة يبحثها، كما هو ديدن بعض الباحثين، فإذا تعرض لقضية تراه يبدئ ويعيد ويكرر أن لا مجال لاحتمال الصواب والخطأ فيما ذهب إليه، إنما هو الصواب فقط.
ويتأكد هذا إذا تمعن الباحث في كثرة وجود رأيين للناقد الواحد، يتغير اجتهاده، فتراه في موضع أو كتاب يرجح رأيا، وفي موضع أو كتاب يرجح آخر، كما تقدم هذا بأمثلته في المبحث الرابع من الفصل الثالث من هذا الباب،