للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفقهت نفسه، وصارت له فيه قوة نفس وملكة - صلح له أن يتكلم فيه» (١).

ولا بد -بعد ذلك وفي نهاية هذا المبحث- من الإشارة إلى الطريق الذي سلكه هؤلاء الأئمة حتى حلوا بهذه المنزلة التي هم فيها، والثمن الذي دفعوه لذلك، وإنما قلت: لا بد من الإشارة - لأن الحديث في هذا المقام يحتاج إلى توسع وبسط ليس هذا مكانه، يصح أن يقال إن الحديث فيه ذو شجون، يفرح ويبكي، يسر ويحزن، تأخذ القارئ فيه النشوة، ويعتريه الطرب إذا ألم بشيء من أخبارهم وقصصهم، ويحمد الله تعالى أن وجد هؤلاء في هذه الأمة، فهم قرة عينها، والغُرَّة في جبينها، ويحزن بل ويبكي حين يرانا ونحن بالنسبة إلى علمهم صبية أغرار - فنخوض فيما يخوضون فيه، ونتكلم فيما هو من اختصاصهم، ونقارعهم الحجة بالحجة، بل وصل الأمر ببعض المنتسبين لهذا العلم إلى درجة استهجان صنيعهم والحط عليهم.

وسأكتفي هنا بنقل ثلاثة نصوص ترشد إلى ما بذله الأئمة النقاد من جهد ووقت ومال، اثنان منهما لواحد منهم وهو الإمام أبو حاتم، يحكي جانبا مما لقيه في سبيل تحصيل هذا العلم، قال أبو حاتم: «أول سنة خرجت في طلب الحديث أقمت سبع سنين، أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ لم أزل أحصي حتى لما زاد على ألف فرسخ تركته (٢)، ما كنت سرت أنا من الكوفة إلى بغداد فما لا أحصي كم مرة، ومن مكة إلى المدينة مرات كثيرة، وخرجت من


(١) «شرح علل الترمذي» ٢: ٦٦٤.
(٢) يعني تركت الإحصاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>