وراويه عن الزهري معاوية بن يحيى الصدفي لم يتهم بالكذب، فهو ضعيف، خاصة في الزهري، وقد تفرد بهذا عنه، ولم يشاركه أحد من أصحاب الزهري، على كثرتهم، فاستحق حديثه هذا أن يوصف بالوضع.
وقد رأيت أحد المشايخ المعاصرين نقل كلام ناقد في حكمه على حديث بالبطلان، ثم عقبه الشيخ بأن هذا الحكم مبالغة من الناقد، كذا قال، نظر إلى صورة الإسناد فقط، وهذه إحدى مشكلات النقد عند المتأخرين، وهي متفرعة من أصل خطأ عندهم: قياس الأحاديث برواتها، وليس قياس الرواة بأحاديثهم، ويتفرع منها قضايا أخرى ابتعد فيها المتأخرون جدا عن منهج النقد عند أئمته.
ولإدراك هذا جيدا ينظر تعقبات المتأخرين لابن الجوزي في كتابه «الموضوعات»، فقد أوسعوه نقدا، في أعيان الأحاديث، وفي كلامهم عليه في كتب المصطلح، وكنا نظن زمنا أن الصواب دائما أو غالبا مع من تعقبه، وعند التحقق تبين عكس ذلك، وأن الصواب في الغالب مع هذا الإمام، وفي حواشي المعلمي على «الفوائد المجموعة» للشوكاني كلام كثير حول نقد طريقتهم، وكذا صنع في المقدمة.
ثم ههنا أمر آخر، وهو أن طريقة المتأخرين جنت على الرواة أيضا، فالمتأخر حين ينظر في الإسناد جُلُّ نظره منصب على رواته، فأيهم وجده أشد ضعفا ممن سواه نقد الإسناد به، وإن كان الحديث لم يصح عنه إلى الآن، لأمر أغفله المتأخر، وأهم ذلك ما يتعلق بالتفرد، فحين ألغى المتأخر النقد به فالحديث عنده ثابت إلى هذا الراوي، فهو حلقة الضعف في الإسناد.