سعيد بن جبير جاء معنعنا، بل في رواية مسلم يرويه أبو إسحاق هكذا: قال سعيد بن جبير، ولعله لهذا السبب اشتهر عن أبي إسحاق روايته للحديث عن عبدالله بن مالك، ولم تشتهر روايته له عن سعيد بن جبير، فإنه يرسله عنه.
ومن دقائق قضايا تعارض القرائن أن يتجاذب الحال قرينة واحدة لها شقان، أو يتجاذبها قرينتان مختلفتان.
فمن تجاذب شقي القرينة الواحدة ما تقدم في المبحث الثالث من الفصل الثاني من هذا الباب, في قرينة (السهولة والوعورة) فإن من زاد راويا أو أكثر في الإسناد فهو الذي حفظ، لأنه قد سلك الأوعر، ومن ترك الزيادة فهو أسهل عليه، ولكن قد يعارض هذا في بعض الحالات أن يكون من زاد راويا أو أكثر قد سلك الجادة، فهو أسهل عليه، ومن حذف الزيادة ترك الجادة، فقوله هو الراجح, وقد تقدم شرح هذا بأمثلته هناك، فاعتماد أحد شقي القرينة يحتاج إلى مزيد تأمل وإنعام نظر.
وأما تجاذب قرينتين مختلفتين، فمن صوره أن الراوي إذا اتفق مع الجماعة عن شيخهم على إسناد، ثم انفرد عنهم بإسناد آخر، فبعض النقاد يستدل بهذا على حفظ الراوي للإسناد الذي انفرد به عن الجماعة، وقد تقدم أيضا شرح هذا في المبحث الأول من الفصل الثاني.
ولكن قد يعارض هذا أن يعمل في المقام نفسه قرينة (الثبات والاضطراب) الماضي شرحها في المبحث الثالث من الفصل الثاني، فينظر لإتيان الراوي بإسنادين عن شيخه على أنه اضطراب منه وتردد، فيحكم عليه بالغلط فيما انفرد به.