الإشارة إليها أيضا، فهي قضية في غاية الأهمية، يحسن التأكيد عليها في كل مناسبة.
والباحث هناك لا يقوم بمقارنة المرويات للوصول إلى درجة الراوي، ولا إلى سماعه ممن يروي عنه، إلا في النادر جدا، لكونه قد كفي هذا الأمر، ووصلته أحكام جاهزة مبنية على تلك المقارنة.
أما الآن فالوضع مختلف، فالباحث ليس بصدد معرفة درجة الراوي بصفة عامة، ولا معرفة سماعه ممن فوقه، وإنما غرضه الآن أدق من ذلك، وهو الوصول إلى نتيجة راجحة في حديث الراوي الذي بين يديه بخصوصه، إذ النتيجة هذه لا تتوقف على معرفة رتبة الراوي، وسماعه ممن فوقه، وإنما تتوقف كذلك على النظر في حديثه هذا هل أصاب فيه أو أخطأ؟ وإذا كان قد أصاب فيه فما درجة هذا الحديث؟ وإذا كان قد أخطأ فيه فما درجة هذا الخطأ؟ .
وعقدة المسألة ترجع إلى أمر في غاية الأهمية، إذا لم يتصوره الباحث ولم يدركه فليدع النقد، وليعلم أنه وقع في هوة تتخطفه الطير، أو تهوي به الريح في مكان سحيق، وهذا الأمر هو أن الأحكام التي أطلقها النقاد على الرواة وعلى سماع بعضهم من بعض، هي أحكام مجملة، لا مانع من وجود ما يخالفها في تفاصيل أحاديث الرواة حديثا حديثا، فالنقاد يوثقون الرواة مع تجويز الخطأ عليهم، بل والنص عليه، فليس هناك أحد معصوم من الخطأ، ويضعفون الرواة، مع تجويز أن يكونوا قد حفظوا بعض حديثهم، وليس هناك من سبيل إلى معرفة الحديث الذي بين يدي الباحث هل هو مما أصاب فيه أو مما أخطأ فيه، إلا بالنظر فيه، والقيام بالمقارنة المشار إليها.