والواقع أن الأمر عند أئمة النقد في الجملة بخلاف ذلك، فتفرد الراوي بشيء يستنكر عليه أعظم عندهم من روايته لشيء يخالفه غيره فيه، ويتبين غلطه، وذلك لأن من أخطأ على شيخه فرفع موقوفا، أو وصل مرسلا، قد تابعه في أصل الحديث غيره، إما واحد أو أكثر، وهذه تسمى متابعة، ومخالفته له بعد ذلك في بعض الحديث إسنادا أو متنا شأن آخر، فقد وجدت المتابعة في أصل الحديث، وأما من تفرد بجملة الإسناد عن الشيخ، وقد غلط في ذلك، فلم يتابع مطلقا.
ثم إن القول بأنه لم يخالف غير دقيق، فهو قد خالف غيره ممن ترك رواية هذا الذي تفرد به، فهي إذن مخالفة بالترك، وهي عندهم أشد من المخالفة بالفعل، إذا تبين غلطها.
ومن أمثلة ذلك ما رواه أبو داود قال:«سمعت أحمد يقول: عند أبي داود، عن هشام -يعني الدستوائي- حديث منكر، عن قتادة، عن أنس قال: «كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يحتجمون: سبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين»، قلت له: حدثنا به مسلم، عن هشام -أعني عن قتادة- مرسلا، فأعجبه، وقال: كان عند فلان -سماه أبو عبدالله- عن علي بن المبارك، عن قتادة مرسلا» (١).
فأحمد استنكر الحديث على أبي داود الطيالسي في روايته له عن هشام الدستوائي، فإنه لم يكن سمعه من أحد عن هشام، فلما أبلغه أبو داود أنه سمعه من مسلم بن إبراهيم، عن هشام مرسلا فرح به وأعجبه، إذ قد توبع أبو داود