والنقد مهما بلغت قوته هو عرضة للنقد أيضا، فعلمهم ومنهجهم الذي ساروا عليه يلزمهم بهذا، وقد التزموه، فرأينا سموا في الغاية، ونبلا في الهدف، وصدورا رحبة لتقبل النقد في الرواية، وتقبله أيضا حين يوجه للنقد نفسه.
وقد تقدم مثل هذا في «الجرح والتعديل»(١)، وهو يجري في كافة مسائل النقد، ولا غضاضة فيه، بل هو مفخرة لهم، ولمن سار على طريقتهم.
وأما الذي يحذر منه فهو رفض أصول النقاد التي اعتمدوها في النقد، ومقابلتها بمجرد كلام خطابي، مثل التهويل في خطورة تغليط الثقات، فهذه المطية قد ركبها عامة المتأخرين إلا من شاء الله، ومن تأمل هذا الخطاب لا ينقضي عجبه منه، فالثقة -كما تقدم- يقر على نفسه بالغلط، ويتراجع، ويخاف من مخالفة الآخرين له، وهؤلاء يأبون عليه ذلك، ثم إن كونه ثقة إنما أخذناه من كلام النقاد، وهم أيضا الذين نأخذ منهم أنه أخطأ في ذلك الحديث، والوسائل التي قادتهم إلى كونه ثقة، هي نفسها الوسائل التي قادتهم إلى تخطئته في الحديث المعين، والله أعلم.