وكذلك تقدم في مبحثنا هذا في (القرينة الثانية) ما يتعلق بحمل بعض الروايات على بعضها الآخر، وقد يقع مع ذلك إفرادها على صفتها وهي محمولة.
والتعامل مع الاختلافات بابه واحد، غاية ما هنالك أن الحديث الواحد قد يقع فيه أكثر من اختلاف، فيكون فيه عدة مدارات، فمدار أدنى، ومدار أعلى، وقد يوجد مدار أوسط، وهكذا، وقد تقدمت الإشارة إلى تعدد المدار في الفصل الثاني من الباب الاول, وكذلك في الفصل الأول من هذا الباب -الباب الثالث-.
وقضية تعدد المدار إحدى القضايا التي تلقي على الناظر في الاختلاف مزيدا من العبء، سواء في عرض الطرق وتلخيصها للقارئ وعرض دراسة الاختلاف والنظر فيه، أو في الوصول إلى نتيجة في الاختلاف موضع الدراسة, والنتيجة النهائية للحديث كله, وسيأتي الحديث عن ذلك -بعون الله تعالى وقوته- في فصول قادمة.
وأراني هنا ملزما بذكر بعض الأمثلة التي توضح الغرض المشار إليه.
فمن ذلك الحديث الماضي قريبا, وهو حديث أبي سعيد الخدري:«الأرض كلها مسجد ... » الحديث, فقد رجح النقاد رواية سفيان الثوري المرسلة, فهو أحفظ من جميع من وصله, مع ترددهم في الوصل والإرسال, وقد جاء موصولا من طريق الثوري (١)، فلا يصح أن يقال: والثوري أيضا قد اختلفت روايته, فيترجح الموصول كما فعله بعض الباحثين, لأن الموصول عن الثوري لا يثبت