وطلبته، لا يصح له أن يهمله، وهكذا، في صور وتشعبات لا تنتهي، أسها الأول هذه المرحلة -مرحلة جمع الطرق وتنسيقها-.
وإذا أدركنا أن المدار-مطلقا كان أو نسبيا- هو محل نظر الباحث أثناء جمعه للطرق، فمن المهم هنا التأكيد على ضرورة اعتنائه بصفة الإسناد والمتن بعد المدار، فيدقق جيدا في الإسناد الذي وقف عليه، ويتمعن فيه من جهة صفة الرواية الموجودة فيه، هل هي موقوفة، أو مرفوعة؟ وهل هي موصولة، أو مرسلة؟ وهل فيها زيادة راو، أو حذف راو؟ ونحو ذلك.
فهذا التدقيق في صفة الروايات له أثره البالغ في المراحل اللاحقة، فأي زلة فيه قد تنهي عمله برمته، ومع كثرة الأسانيد، وسعة المصادر، وتنوعها، قد يغفل الباحث لحظة فيقع في الخطأ، خاصة إذا كان في ابتداء أمره، في مرحلة الماجستير، أو الدكتوراه -مثلا-.
ومما يلزم لإتقان ذلك أن يكون لدى الباحث خبرة بصيغ الرواية والتحديث، ومصطلحاتها، يفرق بين الرواية عن الشخص، والرواية لقصة الشخص، وبين أن يكون الاسم موجودا في الإسناد، أو موجودا في المتن، يعرف الفرق بين صيغ الرفع الصريحة، وغير الصريحة، وصيغ الوقف.
والمتأمل في عمل الباحثين يرى خللا في هذا الجانب، فتسرد الروايات والطرق دون تمييز، وأكثر ما يكون ذلك -كما أسلفت- في بداية الطريق.
مَرّ بي في تحقيق كتاب ابن الجوزي:«التحقيق في أحاديث التعليق» حديث