الأمر الرابع: ذكرت في تمهيد هذا الباب أن البحث عن طرق الأحاديث في مصادر السنة هو البديل عن كتابة الأسانيد في عصر الرواية، وحفظها، وأنبه هنا إلى أنه ليس المقصود بهذا أنه بمنزلته، فمن قام بجمع الطرق فهو مثل أئمة النقد في الرواية، كلا -والله- فلا يقاربه ولا يدانيه، لأسباب عديدة، منها أن وجود الحفاظ النقاد في زمن الرواية قد منحهم وسائل خاصة بهم، لا يمكن للمتأخرين مجاراتهم فيها كما سيأتي في الفصل الرابع من هذا الباب.
ومنها أن كثيرا مما ألف في السنة النبوية لم يصل إلينا، سواء ما ألف في جمع السنة، أو في نقدها، خاصة ما يتعلق بالنقد، ومقارنة المرويات، فإن أكثره مفقود (١)، وما أكثر ما يذكر النقاد وجوها وأسانيد معلقة، ولا يقف عليها الباحث بعد جهد وتعب، وسيأتي نماذج لذلك في ثنايا هذا الكتاب.
وإنما كان البحث في المصادر الموجودة هو البديل لأنه هو الممكن، والباحث بعد تتبعه للطرق، وتفتيشه عنها، وجمعها، يعتمد -بعد اعتماده على الله تعالى- على من تهيأت لهم الأسباب، وهم أئمة النقد وحفاظه، متمما لعملهم، مستحضرا للقدر الذي هو فيه، وللوسائل الممكنة له، وسيمر بنا التأكيد على هذا في مناسباته.
ومن جانب آخر لا ينبغي أن يفهم من الحث على جمع الطرق، والتنقيب الشديد عنها في مصادرها أنه حث على التطويل في التخريج، ودراسة الأسانيد،
(١) انظر: «الأحاديث التي أعلها البخاري في التاريخ الكبير» لعادل الزرقي، ص ٤٢ - ٤٧.