وقضية الاجتهاد في التصحيح والتضعيف وإغلاق هذا الباب جرى بحثها كثيرا، ولا ريب أنه من الصعوبة بمكان القول بإغلاق باب الاجتهاد تماما، فالاجتهاد معناه بذل الجهد والوسع لمن له أهلية الاجتهاد وتمكن منه، وأعني بهذا أنه لا بأس باستخدام مرجحات الأئمة في حديث لم يتكلموا عليه، متى ظهر ذلك جليا للباحث، وكان قد تهيأ لذلك وجرب، ودرس أحاديث كثيرة للأئمة فيها ترجيح، فاكتسب من ذلك هيئة نفسية تساعده على تحمل مسؤولية مثل هذا، فإن الأمر دين، مع ملاحظة أن يبتعد ما استطاع عن عبارات الجزم والقطع، مثل عبارة: الصواب بلا ريب هو كذا، أو: وهذا هو المحفوظ قطعا، فيقول مثلا: والأظهر -والله أعلم- كذا وكذا، أو: ويظهر لي -والله أعلم- أن الصواب هو الوجه الفلاني، أو: ويمكن من خلال ما تقدم ترجيح الوجه الفلاني، وأن يتذكر الباحث المقولة المشهورة: حفظت شيئا وغابت عنك أشياء.
٦ - إذا مر بالباحث حديث تكلم فيه الأئمة أو بعضهم فرجحوا وجها أو أكثر، ثم ظهر للباحث من خلال نظره في المرجحات التي بنوا عليها ترجيحهم وما تجمع لديه من مرجحات أخرى أنه يمكن ترجيح خلاف ما رجحه الأئمة فهل له أن يقارعهم ويعترض عليهم ويرجح خلاف ما رجحوه؟ هذا سؤال مهم، والإجابة عليه ليست سهلة.
وبادئ ذي بدئ لا بد من إخراج بعض الصور من هذا السؤال، وذلك فيما إذا اتفقت كلمة الأئمة على ترجيح وجه من الوجوه فإنه لا يصح بحال من الأحوال معارضتهم وترجيح خلاف ما رجحوه، ومثل ذلك ما إذا توارد على