وأول ما يضبطه الباحث هنا ويتقنه ما اصطلح الباحثون على تسميته بـ (رفع المدار)، ومعناه أنني إذا كنت بصدد النظر في اختلاف على راو معين، حدده لي إمام أنظر في كلامه، ثم وجدت أن الاختلاف ليس عليه فقط، وإنما هو على شيخه، أو على شيخ شيخه، وهكذا من فوقه، فمما يسهل علي معالجة الاختلافات هذه كلها أن أعمل النظر في فائدة إمكانية ترك الاختلاف على مدار الناقد, وعقد الاختلاف على راو أعلى منه, فيكون الاختلاف على مدار الناقد اختلافا نازلا بالنسبة لي، أعالجه في أثناء معالجة الاختلاف على المدار الأعلى.
ورفع المدار يستفاد منه حين يمكن تطبيقه الاختصار، والبعد عن التشتيت ما أمكن، إذ لو لم يرفع الباحث المدار للزمه بعد أن يفرغ من النظر في الاختلاف على المدار الأول، ويصل إلى نتيجة، أن يستدرك فيقول: ولكن قد وقع اختلاف على فلان، أو فلان (أحد الرواة فوق المدار)، ثم يبدأ بعرض اختلاف جديد، وأوجه جديدة.
وقيدت رفع المدار في كلامي السابق بشيئين، أن يكون هناك فائدة من رفع المدار، وأعني بذلك أن يقف الباحث على أوجه أخرى عن المدار الأعلى ولكنها لا تمر بالمدار الأدنى، فهي من طريق رواة آخرين.
مثال ذلك ما إذا كانت الأوجه التي وقف عليها الباحث عن المدار الأعلى هي نفسها التي كانت على المدار الأدنى، فله أيضا أن يرفع المدار، ولكن لا فائدة منه، فالأحسن بقاؤه مع مدار الناقد، ويجعل الاختلاف عن المدار الأعلى بمثابة متابعات للأوجه عن المدار الأدنى.