يضاف إلى ذلك أن كثيرا من الباحثين يعتمد تخريج الشيخين -مثلا- دون تمحيص، فتجده يذهب إلى حفظ عدد من الأوجه بقرينة تخريجها جميعا عندهما أو عند أحدهما، وهذا مزلق خطير، فإنهما كغيرهما يخرجان الشيء لبيان علته, وترجيح غيره عليه, فلا يصح أن ينسب إليهما تخريجه للاتكاء عليه دون نظر في كيفية تخريجه, بل ربما أخرجا بعض الأوجه عرضا دون قصد له.
وكل هذه القضايا سيأتي الحديث عنها في الفصل الخامس, وهو الفصل الخاص بكلام النقاد, وضوابط الاستفادة منه, وإحكام ذلك, ويأتي هناك أيضا الحديث عن ضرورة التمعن في كلام الناقد, وفهم مراده بالترجيح, قبل اعتماد الاستفادة منه, فإن هذا أيضا من المزالق الخطيرة في التعامل مع كلام النقاد.
وسأذكر الآن مثالا واحدا من صنيع أحد الباحثين, جمع فيه بين الاعتماد على قرينة كون أحد الوجهين متصلا, وبين الاعتماد على قرينة تخريج أحد الشيخين, وكلاهما لا يصح الاعتماد عليه في الترجيح.
ذكر أحد الباحثين الفضلاء ما أخرجه البخاري من طريق الأعمش, عن إبراهيم النخعي, عن همام بن الحارث, عن حذيفة قال: «يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيدا ... » الحديث, ثم أخرج الأثر من مصادر أخرى من طريق الأعمش, ومن طريق عبدالله بن عون, عن إبراهيم, ورواية ابن عون ليس فيها همام بن الحارث, ثم قال في الموازنة بينهما: «وهو الصواب (يعني رواية الأعمش) لموافقته لرواية البخاري, ولأن إبراهيم النخعي لم يلق حذيفة ... ».