واتضح مما تقدم أن تعيين مدار واحد في الحديث المعين يكون هو الأساس لكل من ينظر في الاختلاف الواقع فيه أمر غير ممكن، فتحديد المدار الأساس إذن أمر نسبي، فباحث يكون مداره في طبقة, وآخر يكون في طبقة نازلة عنه, وثالث في طبقة أعلى منهما، ورابع يكون عنده مدارات متعددة، وكل ذلك بحسب الباعث على دراسة هذا الحديث، وقد يحدد ذلك صفة ورود الحديث في كتب الرواية، وكتب النقد.
والمهم هنا التأكيد على ضرورة تحديد المدار الذي ينصب عليه جهد الباحث، ويكون هو عقدة بحثه في الحديث المعين، ومتى لم يلتزم بذلك فقد انفرط عقد بحثه منذ الوهلة الأولى، وكذلك إذا لم يحسن تفريق المدارات عند الحاجة، فتتداخل عليه وعلى قارئه الاختلافات.
وسأضرب بعض الأمثلة لذلك.
ساق أحد الأئمة بإسناده عن عبدالرزاق، قال: حدثنا النعمان بن
أبي شيبة الجندي، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع، عن حذيفة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن تستخلفوا عليا -وما أراكم فاعلين- تجدوه هاديا مهديا، يحملكم على المحجة البيضاء».
ثم قال الإمام:«ورواه إبراهيم بن هراسة، عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع، عن علي رضي الله عنه».