يفترض في الباحث لكي يتمكن من النظر في حديث وطرقه أن يكون بذل أقصى جهده في جمع طرق هذا الحديث، كما تقدم شرح ذلك في الفصل الأول من الباب الأول، ويكمل الباحث هذا ببذل جهد آخر لجمع كلام النقاد على حديثه الذين بين يديه، محاولا جهده استقصاء ذلك، والتنقير الشديد عن كلامهم في مظانه.
ولكي تتضح أهمية البحث عن كلام النقاد وجمعه أذكر بعض الفوائد لهذا، ثم أنبه على بعض الأمور المتعلقة بجمع كلام النقاد، والنظر فيه.
فمن هذه الفوائد أن كلام الناقد قد يكون متضمنا لذكر الاختلاف، ولولا كلامه هذا لما عرف الباحث أن هناك اختلافا، وربما ذهب يتكلم على بعض رجال الإسناد، أو على تفرد فيه، وقد يقع هذا للنقاد أنفسهم.
فمن ذلك الحديث الماضي في الفصل الرابع من الباب الأول، في المبحث الثاني منه، وهو ما رواه أبو أسامة حماد بن أسامة، عن عبيدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر في (قصة ذي اليدين)، فقد مَرَّ على هذا الحديث جماعة من النقاد، منهم أبو حاتم، وابن خزيمة، والدارقطني، وغيرهم، يذكرون تفرد أبي أسامة به عن عبيدالله، ومنهم من صرح بنكارة الحديث، قال أبو حاتم:«هذا حديث منكر، أخاف أن يكون أخطأ فيه أبو أسامة»(١).
(١) «علل ابن أبي حاتم» ١: ٩٩، و «صحيح ابن خزيمة» حديث (١٠٣٤)، و «أطراف الغرائب والأفراد» حديث (٣٣٧٣)، و «سنن البيهقي» ٢: ٣٥٩.