والنظر في الاختلاف الأعلى فوق مدار الباحث ليس بالأمر اليسير في كثير من الأحيان، فالمتابعون للمدار أو من فوقه إذا وقع منهم أو من أحدهم مخالفة للراجح عن المدار، عاد الباحث بسببه إلى نقطة البداية، فأصبح أمامه اختلاف جديد قد يكون أقوى وأشد وعورة من الاختلاف على مداره الأساس، إذ عليه دراسة المتابعين للمدار أو من فوقه، ودراسة الطرق إليهم، وقد يقع عليهم أو على بعضهم اختلاف نازل، من جنس الاختلاف على المدار الأساس، أو مغاير له، فيلزم الباحث حينئذ تحرير هذا الاختلاف النازل، والوصول فيه إلى نتيجة، فإذا فرغ الباحث من ذلك كله عاد إلى النظر بين روايات هؤلاء المتابعين، وبين ما ترجح عن المدار الاساس عنده.
ومثل هذه القضية أنبه عليها ليدرك الباحث مدى صعوبة التصدي لتصحيح الحديث وتضعيفه، والحاجة إلى نفس طويل في بعض الأحاديث، والباحث إذا كان نفسه قصيرا وعالج قضيته الأساس، ظن أنه في حِلّ من تناول ما أمامه من قضايا لا مناص له من معالجتها، فيطلق الكلام على عواهنه، ويصل إلى نتائج حاسمة لم يحكم النظر فيها، وسيأتي لهذه القضية نظائر في مباحث لاحقة.
ومن الأمثلة على ذلك حديث سلمان بن عامر المتقدم آنفا، فإذا كان مدار الباحث الأساس هو شعبة، فسينتقل بعد تحرير الراجح عن مداره إلى المتابعين لشعبة، وقد خالفوا شعبة في الإسناد، فزادوا فيه الرباب بنت صليع، وعليه فسينظر الباحث في هذا الاختلاف، فإذا فرغ منه انتقل إلى المتابعين لشيخهم عاصم الأحول، وهم: ابن عون، وهشام بن حسان، وخالد الحذاء، وسيجد أن